 |
قصة مراد وليلى |
ليلى ومراد أبناء عم، حيث ترعرع مراد منذ طفولته بعمر ست سنوات في بيت عمه
بعد وفاة والديه تعهد عمه بتربيته مع ابنته الوحيدة ليلى؛
كان مراد بنفس عمر ليلى أو يكبرها قليلا
تربيا معا في بيت يملؤه الدفئ والحب والرعاية الحنونة من أبو ليلى
فلم يكن يفرق بين ليلى ومراد في أي شيء
بعد مرور عدّة أيام من وفاة والدي مراد نسي مراد ألم وفراق والديه
بعدما رأى من عمه كل الحب واللطف والأمن ولا يتركه يحتاج شيئا إلّا ويلبيه له
قبل أن يلبيه لابنته ليلى
فقد إعتبره إبنه بعد أن إنقطع الأمل من زوجته في إنجاب طفله
الذي طالما انتظر قدومه ليحمل اسمه
لكن القدر حال بينه وبين تحقيق أمنيته فسلّم أمره لله ورضيَ بابنته ليلى وحيدته
وفرح بقدوم ابن أخيه ليكون مؤنس ابنته في طفولتها
جاء موسم تسجيل ليلى في المدرسة للسنة أولى،
فقرر أن يسجل مراد معها في نفس المدرسة
ونفس القسم حتى يدرسا معا ويلعبان معا ويقفا مع بعضهما البعض عندما يحتاج كل منهما إلى الآخر
ويأنسا ببعضهم البعض وهكذا حتى يكملا مسيرتهما الدراسية معا
كانت ليلى لطيفة ومحبوبة وجميلة جدا تمارس بعض الشقاوة من حين إلى آخر
لكنها كانت تحب مراد ورحبت به كأخ لها لم تنجبه لها أمها
حتى يقاسمها اللعب والمرح الذي عاشته وحيدة طيلة ست سنوات من عمرها
كما أن مراد أيضا بادلها نفس الحماسة والحب الطفولي وأنِس بها أختا ورفيقة
وسرعان ما تعود على حياة المدينة ورغد العيش وروعة القصر
الذي طالما رأى تفاصيله فقط في الأفلام الكرتونية
أما زوجة عمه كانت تعامله معاملة باردة وتفرق بينه وبين ليلى
ولم ترحب به كفرض دخيل في العائلة
لأنها شعرت بالنقص عندما لاحظت اهتمام زوجه المبالغ به
لعدم قدرتها على إنجاب طفل لزوجها يحمل إسمه
وفي نفس الوقت لم تكن تعامله بقسوة خوفا من ردة فعل زوجها
شهرا بعد شهر حتى تعودت على وجوده في البيت كفرد من أفراد الأسرة
ولا غنى لليلى وأبيها عنه
تمر السنون ويكبر الطفلين وصار شابين يافعين كل واحد منهما له أهداف وطموحات
لكن أبو ليلى قرر أن يرسل مراد إلى جامعة مرموقة
ينال بها شهادة يرفع بها رأسه عزا وافتخارا
ويهديها لوالديه المتوفيين قبل أن يهديها له
وافق مراد على طلب عمه على مضض لأنه استوحش فراق رفيقة صباه ليلى
فهو يُكن لها مشاعر طيبة لا يعرف كيف يترجمها؟
هل هو الود والإخاء أم الحب والغرام؟
مراد في صراع مع أفكاره ومشاعره قائلا في نفسه ما هذه المشاعر التي تختلج فؤادي؟
ليلى رفيقة الطفولة والصبا هي أختي لكنها ليست أختي التي أنجبتها أمي!!
هل يا ترى أصارحها بما أشعر؟
لطالما عبّرت لها عن حبي وودي لها وقلت لها أحبك ونحن طفلين
فهل يا ترى أكرر على مسامعها هذه الكلمة ونحن شابين؟
وقتها تناسى مراد الموضوع على أمل أن ينظر بشأن مشاعر الحب
الذي تنجذب نحو ليلى عشقا وغراما
وجاء موعد السفر للدراسة في الخارج؛
لربما بعده عنها ينسيه شيئا مما يدمره في قلبه
من وفاء لحب الطفولة والأخوة
وقبل مغادرة مراد البلد والسفر إلى الخارج نزلت بعمه نازلة مرض شديد أقعدته الفراش
مباشرة ألغى مراد فكرة السفر في الوقت ذاته
ورأى أنه من الضروري بل والواجب أن يبقى جنب عمه
يعتني به ويرعاه ويرد له شيء من الجميل عليه
وما هي إلا أسابيع قليلة حتى فاضت روحه إلى جوار ربه
وكان أبو ليلى قد أوصى زوجته أمام مسمع مراد وابنته ليلى
أن تكون له أما وأبا كما كان له أبا وسندا
وأن لا يفارق أحدا من بعده كإشارة تلميحية لمراد وليلى على أن لا يفارقا هذا البيت للأبد
وبعد أيام قليله بدأ مراد يرى الوجه الآخر من زوجة عمه وتشعره أنه غريب
رغم كل العمر الذي قضاه داخل هذا القصر
أما ليلى فكانت ولا زالت تحبه أخا ورفيق العمر وصديقا..
قبل وفاة أبو ليلى كتب وصية إلى زوجته...
" زوجتي الغالية ورفيقة دربي أعلم يقينا كم أحببتني ومازلت وستظلي تذكريني حبًا وشوقًا وحنانًا
وأنت تعرفين جيدا لا أحد سكن فؤادي غيرك من كل ما خلق الله من نساء الأرض بعد أمي
إسمعي مني وصيتي لربما لا أفارق مطرحي هذا إلّا إلى الحفرة التي تأويني حيث لا رجعة
وطالما أجّلت أن أفتح معك هذا الموضوع من قبل
حتى لا أفسد رغبتك وشغفك بأن تري وحيدتك زوجة لابن أختك
فهذا كان مجرد كلام وأمنية بينك وبين أختك لا أرى لها أساس من التحقيق على أرض الواقع
أما أنا مذ تبنيت إبن أخي هذا البطل وتكفّلت برعايته عقدت النية لتزويجه إبنتي
إن كان في العمر بقية وبعد موافقة ابنتي ليلى طبعا
فأنا أرى كل الود والإنسجام والتوافق بينهما
لكن يبدو أن الأجل دنى واقترب وأني ناظر إلى الموت سيحول بيني وبين أمنيتي
التي تمنيت أن أراها أمام عيني وأزف وحيدتي لابن أخي
كلما رأيت ليلى ومراد يلعبان معا أو مصطحبان بعضهما البعض إلى المدرسة؛
أتمنى لهما السعادة وأن يكملا حياتهما معا إلى آخر نفس
فرجاءِ لك أن تحققي أمنيتي وهذه وصيتي لك
فأرجو أن تلقى منك كل الترحيب والقبول
وتسعي لربط بين هذين القلبين الجميلين المحبين لبعضهما البعض
والمخلصين الوفيين لأيام الطفولة والصبا
وإحساسي يقول أنهما سيكونان أجمل زوجين وعشيقين
وكما أوصيك زوجتي الغالية أن كل ثروتي وممتلكاتي تقسم بينكم بالعدل
فلا تجعلي للشيطان سبيل في التفرقة بين ليلى ومراد أعرف أن ليلى وحيدتك
ومراد ليس ابن بطنك لكنه إبني ... والسلام.."
ما إن قرأت الزوجة الرسالة وأكملت فحواها تملّكها شعور بالغيرة والحنق على مراد
وألقت بالرسالة أو الوصية داخل الصندوق
وفكرت طويلا بطريقة أو سبب تخرج فيها مراد من القصر
بطريقة لطيفة حتى لا تشعر ليلى بشيء وتعارضها على فعلتها
حتى قررت أن ترسل الخادمة إلى مراد لتوصل له كلامها وما عزمت عليه
الخادمة: السيد مراد لقد أمرتني سيدتي أن أقول لك أنها عزمت على تزويج ابنتها لابن أختها
وأنها ترى بقائك بجنبها بعد وفاة عمك وبلوغكما هذا السن ربما يبث الريب لدى خطيبها
وتريد تزويجهما في هذا القصر ولا ترى مكانا أنسب لهما من هذا الجناح الذي أنت فيه
فهاكَ هذا المبلغ من المال واختر منزلا من المنازل المجاورة للقصر
استأجره وهكذا تكون بجانبنا وكأنك لم تفارقنا
وكل فترة وأخرى أرسل لك مبلغا من المال يكفي حاجتك ريثما تكمل دراستك وتشتغل
أحس مراد وكان سهما أصاب قلبه فأدماه وألقى به طريحا بين قدميه واستنطق متثاقلا عقدة لسانه..
مراد: سأفعل إن شاء الله
غادرت الخادمة الغرفة وتماسك نفسه وقام وغلق الباب الغرفة
وسقط في مكانه وأطلق عنان صرخاته وعبراته
دون أن يشعر به أحد وانسكبت الدموع أنهارا على خديه
أيا رفيقة الصبا ما أهنأ وأسعد العيش بجانبك
وفي المساء جمع حقيبته وكتبه وكل أغراضه
وقبل رحيله ليلا عبر إلى جناح حبيبته ليلقي عليها نظرته الأخيرة
وهي نائمة على سريرها ووجهها يشع نورا كأنه البدر
وملامح الطفولة والبراءة لا زالت ترسم تفاصيل وجهها
وتسلل خارج القصر دون أن يشعر به أحد حيث لا يعرف له أحد أثرا
وكان يشعر أن ذلك آخر عهده برفيقة العمر
في صباح الغد أخبرت الأم ابنتها ليلى أن مراد سافر للدراسة
ليلى: كيف ذلك!! ودون أن يخبرني بذلك ودون أن يودعني
الأم: لا أعلم لربما وجدك نائمة
تمر الأيام وتشعر ليلى بفراغ في قلبها وبدأت تحس بالإشتياق واللهفة للقيا مراد من جهة
والعتب عليه من جهة أخرى لمغادرته دون وداعها.
وذات يوم ذهبت لاسترجاع ذكريات أبيها من خلال صوره وكتاباته
ففتحت صندوق الذكريات وأول ما وقعت يدها عليه هي الوصية..
فتحتها لتقرأها ولا تعرف ما فيها وهي تسترسل في قراءتها والدموع تنزل من خدها كالشلال المتدفق
مشاعر ضائعة، أحاسيس مرهفة، دقات القلب متزايدة،
لقد ترجمت هذه المشاعر للمشاعر المكنونة التي يعبر بها قلبها حبا لمراد
فلم يكن حب أخوة وصداقة فقط؛ بل عشقا وغراما
وبعدها بلحظات نادت على الخادمة وأخبرتها بسر الوصية
وسألتها إن كانت تعرف أن أمها تعرف بشأن الوصية أم ليس بعد
لقد كانت الخادمة إنسانة مخلصة ووفية فلم تستطيع أن تبوح بالسر الذي أمّنته عليها أمها
لكن ليلى سرعان ما عرفت الإجابة من تعابير وجهها دون أن تنطق بكلمة
تدهورت حالة ليلى شيئا فشيئا حتى لزمت الفراش
ولم تترك الأم طبيبا إلّا أحضرته لها ليشخص حالتها
ويساعدها على شفاءها لكن داؤها كان فراق مراد ودواءها لقياه
وفي صباح الغد قررت الخادمة أن تذهب وتبحث عن مراد
فهي الوحيدة التي تعرف أنه لم يغادر البلد
بحثت الخادمة عن مراد اليوم كله وسألت عنه في كل مكان وهي تتوقع عثورها عليه
لكن دون جدوى
وفي صباح اليوم الموالي قامت للبحث عنه فهو ما تبحث عنه ليلى لشفاء علّتها ومصابها
لكن اليوم الثاني من البحث كان دون جدوى أيضا
وفي اليوم الثالث سألت شخص يعمل في المقهى عمّا إذا كان أحد يستأجر بيوتا في هذه الناحية
فدلها على السيد أبو زياد
ذهبت إلى السيد أبو زياد لتسأله عن المستأجر مراد ولحسن الحظ كان مراد من المستأجرين عنده
فصعدت إلى شقته؛ طرقت الباب لكن لم تجده، وأبت أن تبرح مكانها حتى عودته
عاد مراد وتفاجأ وسُرّ جدا برؤية أحد من بيت عمه يسأله عن أخبار حبيبته ليلى
التي طالما شغله تفكيره بها ليل نهار ولم تفارق خياله لحظة
إلّا أن قرار زوجة عمه حال بينه وبين أن يكسر كلمتها أو يضايقها بزيارته
نتيجة ما رأى منها من نفور ومضايقة ووجوده في القصر
الخادمة: الحمد لله أني عثرت عليك وأخيرا بعد معاناة بحث ثلاثة أيام
مراد: واليوم أنا سعيد جدا برؤيتك وبلهفة وتشوق لسماع أخبار عن ليلى
وكيف هو حالها؟
ها... أخبريني أرجوك كيف حال ليلى؟ هل هي بخير؟
الخادمة: أتمنى ذلك لكنها في حال يرثى لها
نزلت على مراد غمامة سوداء كادت أن تفقده وعيه
مراد: ماذا هناك أرجوك ما بها لا تزيديني غما وحزنا أكثر ممّا أنا عليه
الخادمة: ليلى تعتب عليك وتريد رؤيتك ولن يتحسن حالها إن لم تلقاها اليوم
بل كل يوم يسوء حالها أكثر من سابقه
لم يتردد مراد للحظة واحدة وركض مسرعا يلبي نداء قلبه غير مبال لردّة فعل زوجة عمه
دخل القصر وهو يلهث من تعب الركض وخفقان القلب شوقا وولهًا لِلُقيا معشوقته
دخل غرفة ليلى ووجدها ملقاة على السرير وما إن رأته ليلى حتى دبّت الحياة في عروقها
بألوانها الزاهية وتراقصت عيناها فرحا لرؤياه وطربت أذناها نغم الحياة لصوته
فأقبل إليها مراد يعانقها عناقا شديدا وكان دواءها وعلاجها السريع الذي إنتظرته ليالي وأيام
أتعبها وأرهقها فراقه
بعد اللوم والعتاب من ليلى على مراد وحديث طويل
عبّر مراد عن حبه وعشقه لليلى وبادلته هي أيضا نفس المشاعر
مراد: خشيت أن أصارحك كي لايسقط ما بيني وبينك من حب الأخوة وود الصداقة
ليلى مبتسمة: مشاعرك هذه ترجمة لما في داخل قلبي وما هذا الحال الذي صرت إليه
إلّا تأكيدا على حقيقة حبي لك
وحدث هذا بعد أن قرأت وصية أبي
مراد: أي وصية وأخبرته ليلى بكل تفاصيل الوصية
وتعاهدا على الزواج والحب الأبدي ما بقيت أنفاسهما تغني في الحياة
دخلت أم ليلى والخادمة غرفة ليلى ومراد بجانبها وتفاجأت الأم عندما رأت ليلى على حالها هذا
وكأنها فتاة أخرى غير البنت التي كانت قبل لحظات تهدي من الحمى
والوجه الذي كان أصفر شاحب صار مزهرا متلألأً منورا كأنه البدر
الأم: لو عرفت أن هذا علاجك لأسرعت في طلب مراد لو كان في الصين
لكن لم أكن أعلم أنه لازال باق في البلد حسبته غادرا المدينة
مراد: لا يا أمي أأأ..أقصد يا زوجة عمي
استثقلت السفر والبعد عن ليلى
سألت ليلى أمها بشأن الوصية فتلعثم لسان
أمها ولم تعرف بماذا ترد
ليلى: أين الوفاء بعهد أبي الذي طالما كان محبًا وفيًا مخلصًا لك،
ولم يرفض لك يوما طلب
ومع هذا تريدي تزويجي لإبن خالتي!!
الذي طالما عرفته فتًى طائش طمّاع في مالنا ورزقنا وثرواتنا
ودون أن تأخذي برأيي
مرت سنة سجل مراد وليلى بالجامعة في نفس المدينة
وتزوجا وعاشا بقية حياتهما داخل القصر الذي جمع بين قلبيهما منذ الطفولة
وعاشا حياةً مليئة بالسعادة والهناء وتحققت أمنية الأب
وهكذا كانت قصة ليلى ومراد مثال عن الحب
الحب العذري العفيف ورسالة أمل للعشاق المخلصين
وانتصار الحب والخير ليملأ الكون سلاما وحبا وطمأنينة
وتجسيدا لأسمى معاني الإخلاص والوفاء.
للإطلاع على مزيد من الروايات الأدبية المشوقة اضغط 👈هنا👉