![]() |
قصة الفتاة النشيطية والفتاة الكسولة |
زمان في ذلك الزمن الذي فات يحكى أن رجل توفيت زوجته وتركت له فتاة بعمر 10 سنوات في منتهى الجمال،
فتاة ظريفة لطيفة، خجولة ومؤدبة اسمها "سلمى" بعد مّدة من وفاة زوجته تزوج من إمرأة مطلقة
ولديها بنت اسمها "أميرة" بنفس عمر ابنته سلمى.
كانت الزوجة شريرة قاسية على سلمى ابنة زوجها
وبطبيعة الحال كانت حنونة طيبة مع ابنتها أميرة، وتفرق بينهما كثيرا في المعاملة
فكل الأعمال المنزلية تقوم بها سلمى لوحدها.
أما ابنتها أميرة تنام وقت ما تشاء وتستيقظ الوقت الذي ترغب،
وقبل الإستيقاظ لابد أن تكون سلمى قد جهزت لها الفطور
كانت الزوجة (أم أميرة) تغار من سلمى لأنها أجمل من ابنتها
ولم يكن الأب ينتبه لتصرفات زوجته مع ابنته لأنه كان مشغول طوال اليوم
كما أن سلمى لا تشكِ لأبيها معاملة زوجته لها كل يوم تطلب منها القيام بالأعمال المنزلية
ولا تسمح لها بالراحة إلّا وقت النوم
عندما يعود الأب من العمل ويسأل عنها، في غالب الوقت يجدها نائمة
لأنها تكون منهكة وتستيقظ باكرا في الصباح لتحضر لأبيها الفطور وتجلس معه لتناول الوجبة،
وكلما يسألها أبيها عن حالها وأحوالها تقول: أنا بخير.
كل يوم نفس الأعمال تقوم بها سلمى لوحدها من غسل الأواني وغسل الملابس وتنظيف البيت وطبخ الطعام
حتى عندما يكون كل البيت نظيفا، تجلس سلمى لمشاهدة التلفاز قليلا؛ فتمنعها زوجة الأب الشريرة من ذلك.
أم أميرة: سلمى ماذا تفعلين!؟
سلمى: أشاهد التلفاز، لقد انهيت كل المهام
أم أميرة: هيا نظفي الأرضية
سلمى: للتو أنهيت من تنظيفها
أم أميرة: لا تجادلي قلت لك أعيدي تنظيفها...
سلمى: حسنا حسنا يا خالة...
ثم تبدأ في تنظيفه من جديد.
مرت الأيام وكبر الأب وتقاعد من عمله ولزم البيت ولم يعد بنفس قوته ونشاطه.
فكّرت الزوجة في مصدر رزق آخر
فطرأت في بالها فكرة؛ وهي أن ترسل سلمى للإشتغال في بيوت و قصور الأغنياء
فعندما اقترحت الفكرة على زوجها رّد عليها قائلا:
لماذا لا ترسلِ ابنتك للعمل هناك!!؟
الزوجة: ابنتي أسميتها أميرة لتبقى بالفعل أميرة،
الناس يخدمونها وليس هي من تخدم الناس.
ابنتي يديها ناعمتين وبشرتها رقيقة وجسمها أنيق لا تصلح لمثل هذه الأعمال الشاقة
...كما أنها لا تعرف الطبخ ولا التنظيف
أما ابنتك سلمى فجسمها ملائم لمثل هذه المهام وهي متعودة على هذا
أم أميرة: هيا يا سلمى جهزِ نفسك غدا مع بزوغ الفجر للخروج بحثا عن العمل
في إحدى المنازل والقصور المجاورة وعودي لنا بالمال الكثير،
فأبوك لم يعد باستطاعته أن يشتغل ليوفر لنا الحاجيات
(وهي تضمر في نفسها أن تأخذ كل الأموال التي تجنيها سلمى من عملها)
في صباح الغد شجّع الأب ابنته في الخروج إلى العمل وقال لها:
لا حرج في ذلك يا بنيتي فلا داعي أن أوصيك بالصبر وحسن
الخلق الذي طالما عهدتكِ عليه
وأهم شيء أن تعملي دائما من قلب مخلص ومحب الخير للغير
وقدمِ المساعدة لكل من يحتاج.
خرجت سلمى في الصباح بنية التوكل على الله ومنفعة الغير
من خلال تقديم المساعدة والحصول على الأجرة
أثناء سيرها تقابلت سلمى مع إمرأة عجوز كبيرة في السن ضعيفة النظر
كانت السيدة العجوز ترغب في عبور الطريق فلاحظت
سلمى أن المرأة تحتاج إلى المساعدة فهّبت سريعا لمساعدتها حتى عبرت بها إلى الشارع المقابل،
شكرت السيدة سلمى على صنيعها ودعت لها بالخير ثم انصرفت كل واحدة منهما إلى وجهتها.
وبعد خطوات قابلت إمرأة أخرى فابتسمت في وجهها وألقت عليها التحّية
ثم بادلتها المرأة بالتحية و بشاشة واحترام.
وبعد خطوات أخرى رأت سلمى فرع شجرة في وسط الطريق فقالت:
أووه هذا خطر على المارّة لابد من إماطة الأذى عن الطريق
أزاحت الغصن عن الطريق ثم مضت في دربها
حتى دخلت إحدى الغابات المجاورة فرأت كلبا يلهث وعليه علامات التعب والعطش
فأدركت مباشرة أنه بحاجة إلى الماء
ذهبت إلى البئر وملأت له الدلو بالماء وقدمته له بكل لطف؛
فشرب الكلب حتى ارتوى وعبّر لها بفرح وسرور على عملها.
ثم مضت حتى رأت من بعيد بيت كبير فخم تحيط به حديقة من الزهور وأنواع الورود المختلفة والنباتات الجميلة
ثم قالت: سأذهب إلى ذلك البيت لربما يحتاجون إلى مساعدة أقدمها لهم وأشتغل عندهم.
وصلت سلمى إلى البيت الجميل ورأت شيخا عجوزا يجلس بحديقة المنزل
سلمى: مرحبا يا عماه
الشيخ: أهلا أهلا بك يا بنيتي
سلمى: كيف حالك
الشيخ: بخير الحمد لله ، من أين أنتِ يا بنيتي لم أرك من قبل تبدين غريبة عن منطقتنا.
سلمى: نعم يا عماه فأنا أسكن بعيدا من هنا،
جئت أبحث عن عمل، أبي شيخ كبير ولابد أن أعمل مكانه لأوفر لقمة العيش.
الشيخ متفاجئ... ماذا!! تبحثين عن عمل!!؟
سلمى: نعم؛ أسالك إذا كنت بحاجة إلى مساعدة أقدمها لكم، أسقي الزهور أو أقلم الأشجار وأنظف الحديقة
الشيخ: نعم.. نعم ...بالطبع نحتاج إلى عاملة،
فأنا أعيش هنا مع زوجتي وأمي وأختي كلنا كبار في السن ولا نقوى على القيام بشؤون البيت.
لقد جئتِ في وقتك ونحن بحاجة ماسّة إلى من يقدم لنا يد العون.
سلمى: حسنا بكل فرح وسرور سأقوم بتنظيف البيت وطبخ الطعام وغسل الملابس وتنظيف الحديقة
الشيخ: جميل جدا وآخر الشهر ستستلمين أجرتك
دخلت سلمى البيت الفاخر وأعجبت به كثيرا
وسلّمت على أهل البيت وتعرفت عليهم ورحبوا بقدومها كثيرا
فطلب منها الشيخ أن تقوم بشؤون المنزل وتنظيف كل الغرف
إلّا غرفة واحدة طلب منها أن لا تقترب منها حتى يختبر صدقها وأمانتها.
سلمى: حسنا يا عماه.
زاولت سلمى عملها بكل حب وإحسان لهؤلاء الكبار في السن وضلّت على هذا الحال لمدة شهر كامل
بكل حب ورضا دون كلل أوملل
لأنها أحبت أهل البيت وأشفقت على لحالهم فهم كبار عاجزين
واعتبرت هذا العمل مساعدة وتقديم خدمة لمن هم بحاجة إليها
وإنفاقا من وقتها وجهدها حتى لو لم تحصل على راتبها
واكتفت بالأكل الذي تحصل عليه من أهل البيت من مختلف الأنواع والأصناف حتى تأخذه معها إلى منزلها.
كانت أم سلمى تكرر عليها السؤال دائما عن المال الذي تحصل عليه من عملها
فتقول لها سلمى: (وتظاهرت أنها لا تحصل على الراتب لأنه عمل تطوعي)
لا يهم أنا راضية بعملي وبهذا الأكل والفواكه اللذيذة التي لم نأكل مثلها من قبل
الأب: نعم يا بنيتي أحسنتِ صُنعا بارك الله فيك
بعد مرور أكثر من شهر من مزاولة سلمى عملها عند هذه أسرة
الشيخ العجوز الكريم قرّر هذا الأخير مكافأتها
عندما تأكد من صدقها وإخلاصها وحبها وصبرها لعمل الخير وأمانتها وأخلاقها.
لقد كانت هذه الأسرة ثرية جدا والغرفة التي طلب الشيخ من سلمى أن لا تدخلها،
كانت ممتلئة بالمجوهرات الثمينة والقطع والنقود الذهبية
فأهدى لسلمى عقد من الذهب المزين باللؤلؤ والأحجار الكريمة
وأعطاها أيضا 100 قطعة ذهبية وسمح لها بإجازة لمدة ثلاثة أيام
عادت سلمى إلى البيت وقلبها يكاد أن يطير بالفرح والسرور
وهي تشكر الله على هذا الرزق الوفير الذي أتاها من حيث لا تحتسب.
دخلت سلمى المنزل وهي تنادي بأعلى صوتها من شدّة الفرح...أبي... أبي...
أنظر أنظر إلى هذا الخير والعطاء الذي أسداه لي ذاك الشيخ الكريم.
الأب: نعم أنت تستحقين الأفضل دائما لأن أخلاقك راقية وصاحب الخلق دائما يفوز
سلمى: الحمد لله...
هاكِ يا أبتي هذا الكنز وخِّبئه عندك...
استشاطت أم أميرة غضبا وحنقا وغيرة على سلمى
وأمرت إبنتها أميرة أن تخرج هي أيضا للبحث عن عمل...
وفي صباح الغد خرجت أميرة متأِّففة متكاسلة
وفي طريقها قابلت إمرأة ألقت عليها التحّية لكن أميرة قابلتها بنظرة شزراء عابسة ولم ترد عليها التحّية
وأكملت طريقها..
وبعدها وجدت إمرأة عجوز طلبت مساعدتها في عبور الطريق إلى الشارع المقابل
لكن أميرة لم تكترث لها وأكملت مسيرها،
وبعد لحظات دخلت الغابة ووجدت قطة اعترضت طريقها لأنها عطشانة
فركلتها أميرة برجلها ولم تبالِ
ثم رأت من هناك البيت الفخم ودخلت دون أن تسلّم أو تستأذن
فسألت الشيخ العجوز: هل تحتاجون إلى عاملة!؟
الشيخ: نعم بالطبع فخادمتنا في إجازة،
لكن الشيخ لم يرتح لهذه الفتاة من تصرفاتها وأفعالها فقرّر أن يختبرها قبل كل شيء
الشيخ: هيا ابدئي بتنظيف الغرف، ثم أشار إلى غرفة في زاوية البيت وقال لها:
...لا تقربي تلك الغرفة أبدا
بدأت أميرة بتنظف البيت بتكاسل وضجر ثم غلب عليها الفضول بفتح الغرفة التي منعها منها الشيخ،
فتحت الباب ودخلت حتى تتفاجأ وتنبهر بمنظر الأحجار الكريمة
والذهب يتراقص مثل أشعة الشمس هنا وهناك؛
ثم دخل عليها الشيخ وهي بداخل الغرفة
الشيخ: ماذا تفعلين هنا ألم أنهكِ أن لا تقربي هذه الغرفة،
ارتبكت أميرة وخافت وتلعثم لسانها
آآآآ لم أقصد هذا لقد دخلت الغرفة بالخطأ
زجر الشيخ في وجه أميرة وطردها شر طردة
وعادت أميرة إلى أمها تبكي وقصّت عليها القصة
فضحك الأب و سلمى منهما عمّا حدث لأميرة وأمها ومآل طمعهما
الأب: هذا جزاء الكسل وسوء الخلق ودلال أمك...
أمك أنانية ولا تحب الخير للغير وهكذا ربتك.
ثم بعد أيام من استمرار المشاكل التي تفتعلها أم سلمى طردها الأب هي وابنتها من البيت.
وتمر السنين وتكبر سلمى وتتزوج من رجل طيب ذو خلق رفيع
وعاشت مع أبيها وزوجها في سعادة وهناء
المغزى من القصة
* الجزاء من جنس العمل دائما
فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ.
*الطيبة والأخلاق الفاضلة هي السلاح الذي لا بد أن يتسلح به الإنسان دائما
*إن الله يحب المحسنين
*خادم القوم سيدهم.