![]() |
قصة آخر أيام الأندلس |
مرت الأندلس بمراحل...
في بدايتها كان الفتح الإسلامي على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير رحمهم الله
ثم جاء أحد الولاة كما يقولون تتالى عليها مجموعة من الولاة ثم جاء عبد الرحمن الداخل
هذا الإنسان العجيب فهذا الأخير فتح الأندلس وحده هرب من الشام
وهو كان من بني أمية لما سقطت دولة بني أمية على يد العباسيين
هرب وكانوا يبحثون عنه فاستطاع أن يهرب في رحلة عجيبة إستمرت خمس سنين
حتى دخل الأندلس وفتح الأندلس وهو وحيد
ولذلك أبو جعفر بن منصور يقول عنه صقر قريش
كيف استطاع أن يفعل هذا به؟!
بدأت دولة بني أمية في الأندلس
ودولة بني أمية في الأندلس سادت عدة قرون ثم انتهت بعد العز والمجد التي هي فيه
إنتهت هذه الدولة ثم جاءت دويلات الطوائف ومن بينها دويلة إشبيلية
دويلة إشبيليه التي كان يقودها المعتمد بن عباد ثم انتهت وجاء حكم المرابطين
الذين جاؤوا من المغرب وسيطروا على الأندلس ولولا مجيئهم لضاعت الأندلس بيد النصارى
ثم طار الموحدون على المرابطين في المغرب فسيطروا على دولة المرابطين في المغرب
فتزعزعت الأوضاع في الأندلس كانت تابعة للمغرب تابعة للمرابطين
الأن الأصل تزعزع فالفرع في الأندلس تزعزع كذلك
وهذه الزعزعة أدّت إلى أن المسلمين ينهارون أمام الهجوم النصراني الذي جاء من شمال الأندلس
ومن الجيوش التي كانت تساندها فرنسا والبابا كان يحرك هذه المسائل بنفسه
ثم سقطت كل الأندلس ولم يبق إلا غرناطة في جنوب الأندلس
قادها بنو الأحمر حوالي 200 سنة
كل الأندلس ضاعت ما عدا هذه الدويلة الصغيرة في جنوب الأندلس
وكانت دولة عظيمة على صغر حجمها شأنها لكنها كانت مجدا وعزا
وبنوا الأحمرإنشغلوا بترفهم وبنوا القصور من بين القصور الشهيرة هذا القصر الأحمر المشهور
إلى اليوم من عجائب الدنيا هذه الحضارة التي بنيت والمدينة التي بنيت في الأندلس
وبالذات في غرناطة
ثم جاء عبد الله الصغير آخر ملوك بني الأحمر هو وعمه الزغل بدأ الصراع بينهما على الملك
وفضلوا كل واحد يفضل الملك على أن يحمي الدولة من هذا الخطر الكبير الذي جاء
توحدت جيوش أنصار فرينيداد وإيزابيلا توحدوا ضد المسلمين الأندلس
بينما هؤلاء من الأسرة واحده تملك الغرناطة وتحكمها يتصارعان على الملك
كل واحد يستعين بالنصارى ضد الثاني تحت هذا الصراع الذي هو من أجل الدنيا
ضاعت غرناطة وإستطاع فرينداد وايزابيلا استطاعا أن يسيطرا في قصة عجيبة على غرناطة
واحتل النصارى كل الأندلس وأعطوا المواثيق للمسلمين أنهم إذا إستسلموا في غرناطة؛
سيقومون بحمايتهم وحماية المساجد ولن يؤذوا إنسانا سيعطوهم الحرية الدينية
وتبقى أملاكم في أيديهم ضمن شروط إتفاقية ما وقع عليها فرينداد وإيزابيلا
ووقع عليها عبد الله الصغير هكذا كان الإتفاق أن تفتح غرناطة بالسلم
ويأمن فيها الناس ويبقون في أموالهم وفي عبادتهم ولا يؤذون
ويدخل النصارى ويحكمون كل الأندلس واستسلم الصغير
وقالت له أمه كلمة شهيرة لما رأته يبكي على ملكه الذي ضاع
"إبكِ كالنساء ملكا لم تحميه كالرجال"
وسقطت الأندلس...
في البداية، أظهر فرينيداد وايزابيلا التسامح ثم بدأ النقض بالعهود
ومن العجب أن الإنسان يثق بمواعيدهم وإتفاقاتهم
كل ما إتفق عليه النصارى والوعود التي أعطوها للمسلمين
كلها نقضوها وظهرت هذه المسألة على شكل ضغط شديد على المسلمين فأخذوا أموالهم
وبدأوا يحولون المساجد إلى كنائس أو إلى إسطبلات واستمر الضغط
إلى أن جاءت فترة ظهرت فيها محاكم إسمها محاكم التفتيش
محاكم التفتيش هذه كانت تفتش عن أي واحد له أي مظهر من مظاهر الإسلام
فكانت تجبره على ترك هذا المظهر إذا كان يصلي أو يصوم أو يعمل أي شيء من مظاهر
أو يلبس لبس عربي كانوا يمنعونه بالقوة أو يقتلوه أو يسجنوه فاضطر الناس إلى إخفاء دينهم
ومرت السنين واضطر المسلم الذي كان يخفي دينه حتى لا يفضح لأن له لو فضح أنه مسلم
كان يضطر أن لا يعلم أولاده اللغة العربية ولا يعلمهم الإسلام ولا يقرئهم القرآن
لأن الصغير قد يتكلم فينفضح أمر الأب والأم فتكون نهايتهما
وانتشرت هذه الظاهرة في الأندلس، الآباء والأمهات على الإيمان على الإسلام يخفون إسلامهم
والصغار لا يعرفون ما يحدث؟!!
في هذه الأجواء حدثت قصة محمد الصغير...
نرويها كما رواها الأستاذ العظيم رحمه الله تعالى علي الطنطاوي
يقول محمد الصغير: كنت يومئذ صغيرًا لا أفقه شيئا مما كان يجري في الخفاء
ما كنت أعرف عن هذه الأحوال كنت أستغرب أحيانا أني أجد أبي في بعض الأحيان
يضطرب ويصفر لونه وكل ما رجعت من المدرسة أتلوا عليه ما تعلمته في المدرسة
ومن بين ما كان يعلمون في المدرسة الإنجيل ويسمونه الكتاب المقدس وأتعلم اللغة الإسبانية
فكل ما يعني تفاخرت بحفظ وإتقان الكتاب المقدس ولغة الإسبانية كان يبكي ويتركني
ويمضي إلى غرفة التي كانت في أقصى الدار وما كان يأذن لأحد أن يدخل إليها
؟!بل حتى يقترب من بابها فيجلس في داره ساعات في غرفته ماذا يصنع فيها
ثم يخرج من هذه الغرفة وهو محمر العينين كأنه بكى بكاءًا طويلا
ويظل أياما ينظر إليّ بحزن يحرك شفتيه يريد أن يقول شيئا
فإذا أنصتُ إليه وأريد أن أسمع أعطاني ظهره وانصرف عني من غير أن يقول شيئا
وكنت أجد أمي كلما ودعتني وأنا ذاهب إلى المدرسة في الصباح؛
أجدها تودعني وهي حزينة دامعة العين، تقبلني بشوق وبحرقة
ثم إذا أمضيت ومشيت قليلا نادتني..
فأرجع إليها فتضمني وتبكي وتقبلني ولا تفارقني إلا وهي باكية
فأظل أحس طول النهار بحرارة دموعها على خدي وأعجب لماذا تبكي؟!
لا أعرف سببا...
ثم إذا عدت من المدرسة استقبلتني بلهفة واشتياق وكأني عائد من غياب مدة 10 سنوات
وكنت ألاحظ أشياء غريبة في البيت كنت ألاحظ أن والدي يبتعدان عني
ويتكلمان همسا بلغة غير اللغة الإسبانية التي أعرفها
وهي لغتنا جميعا يتكلمان بلغة لا أعرفها ولا أفهمها
فاذإ ذنوت منها قطعت الحديث وآخذا يتكلمان بالإسبانية فأعجب وأتألم وأبدأ أشك فيهما
وفي نفسي حتى بدأت أشك أني أنا لست ابنهما لعلي لقيط وجدوني في الشارع
فأذهب إلى غرفتي وأبكي ما هذه الأسرار التي يخفيها عني أبي وتخفيها عني أمي
ولماذا يعاملوني بهذه الصورة فبدأ الأمر يتحول عندي إلى عزلة فأعتزل الناس وأعتزل أهل البيت
وأبكي بكاء مرًا فصار مزاجي متقلب وصرت أختلف عن باقي الأطفال الذين في سني
كانوا يلعبون ويلهون أما أنا فكنت بسبب ما يحدث حولي من أمور غريبة كنت أجلس وحدي
وأضع رأسي بين كفي وأستغرق في التفكير
وكلما كبرت في السن أحاول أن أجد حلا لهذا اللغز ما الذي يحدث؟!
كلما كان يأتي الخوري القصيص صاحب الكنيسة يمر على بيتنا فيناديني
ويجرني من كمي لأذهب معه إلى الصلاة في الكنيسة أجد الحزن مطبق على أمي وعلى أبي
وبكاء مر ولا يفعلان شيئا فأستغرب كل الناس يذهبون إلى الكنيسة يصلون هذا دين الناس جميعا
لا يوجد دين آخر فلماذا يبكون علي لما أذهب إلى الكنيسة؟!
ولماذا لا يذهبان معي إلى الكنيسة يتعللان دوما إما بتعب أو مرض أو بانشغال
وحملت أمي وولدت مرة أخرى فبّلغتني من ولّدتها أنها جاءت بصبي جميل
فحملت الخبر وأنا مبتهج فرح فذهبت إلى أبي وقلت: يا أبي رزقك الله بولد آخر، صار لي أخ!!
فلم يبتهج ولم يبتسم بل قام يجر رجله حزينا ملتاعا وجاء الخوري القصيص ليعمد ببخورالطفل
(تعميد الطفل أنه يضعونه في الماء ويصب على رأسه الماء ليدخلونه في النصرانية)
ودخل البيت وأبي يمشي ورائه مطرق الرأس إلى الأرض وعلى وجهه علائم الحزن مبرح
واليأس القاتل ودخل بالخوري على أمي فلما رأته تغير وجهها وشحب شحوبا هائلا
عيناها تشخصان ثم أخذت الطفل وأعطته للقسيس وهي خائفة ترجف
وأخذت تبكي ثم أغمضت عينيها والتفتت، الناس يفرحون إذا كان يوم التعميد
وهم على هذا الحال
لماذا أبي وأمي بهذه الصورة؟
ثم جاء عيد الفصح
(عيد الفصح يحتفل به النصارى عندهم يوم ظهور المسيح بعد موته)
فكانت غرناطة غارقة في النور والمشاعل والأضواء والصلبان
والنواقيص تضرب في كل مكان حتى على المآذن التي على رأسها الصلبان
وضعوا الشموع ووضعوا النواقيس وابتهجت غرناطة بهذا الفرح العظيم
بهذه الليلة دعاني أبي وأنا كنت أتأمل يوم العيد الذي فيه مظاهر العيد
في اليوم الثاني هذا بالليل قبل العيد حدثت هذه الحادثة يقول:
دعاني أبي في جوف الليل وأهل الدار كلهم نيام قادني صامتا إلى غرفته
التي لم أدخلها من قبل كنا نعتبرها حرما مقدسا فخفت الآن عمري حوالي 14 سنة
لم أدخل هذه الغرفة في حياتي أبدا خفت وخفق قلبي خفقانا شديدا واضطربت
لكن لما وجدت أبي يمشي أمامي بهيبة وصبر وتجلد تجلدت معه فأدخلني الغرفة
وإذ غرفة طبيعية ليس فيها شيء
فلما دخل الغرفة ودخلت معه ذهب إلى الباب وأغلق الباب وأحكم إغلاقه بالأقفال
ثم ذهب يبحث عن السراج عن المصباح وبقيت واقفا في الظلام
لحظات شعرت أنها أطول علي من السنين والأعوام
ثم أشعل السراج أو مصباحا صغيرا كان هناك فتلفت حولي وتبينت هذه الغرفة
وإذ ليس فيها شيء مما كنت أتوقع رؤيتها من غرفة محمية ممنوعة على الناس
كنت أتوقع فيها العجائب فما وجدت فيها شيئا إلا بساط كان ينام عليه أبي
وكتاب موضوعا على رف وسيف معلق بالجدار فأجلسني على بساط نومه
فجلست وجلس بقربي وسكت ينظر إلي نظرات غريبة
وتجمعت علي نظرات أبي ورهبة المكان وسكون الليل
وشعرت كأني إنفصلت عن الدنيا إلى دنيا جديدة
انتقلت من وراء الباب إلى عالم جديد لا أستطيع وصف ما أحسست به في تلك اللحظات
من شعور غريب من خوف من رهبة من توقع شيء من إنتظار بشغف إلى ماذا سيقول أبي
ومرت اللحظات وأبي صامت حزين ينظر إلي ينظر إلي بحنان وعطف فقال لي:
"يا بني أنت الآن في 14 من عمرك قد صرت رجلا أأتمنك على السر
وسأطلعك على السر الذي طالما كتمته عنك
هل تستطيع أن تحتفظ به في صدرك؟
هل إذا أمنتك على سر لن تبوح بهذا السر لأي إنسان؟
هل تستطيع أن تحبس السر ولا تتكلم به حتى لأمك وأهلك وأصحابك والناس أجمعين؟
قلت: نعم
قال: يا بني نعم هذه ليست سهلة إشارة واحدة منك إلى هذا السر ستعرض جسم أبيك إلى عذاب شديد
على يد الجلادين من رجال ديوان التفتيش يقول إسم ديوان التفتيش مشهورا في الأندلس
وكان معروفا على مسامع الناس حتى النصارى يعرفون به وكان إسم مفزع يقول:
فلما سمعت إسم ديوان التفتيش إرتجفت من قمة رأسي إلى أخمس قدمي
صحيح أنا كنت صغير لكني كنت أعرف ما هو ديوان التفتيش كنا نرى ضحايا كل يوم لديوان التفتيش
كنا نسمع بأخبار الناس وأنا ذاهب من المدرسة وراجع إليها رجال يتهمون فيه بانحرافهم في الدين
لا أعرف ما هو هذا الإنحراف وما هو الدين الذي انحرفوا إليه
لكن هذه التهمة كانوا يصلبون رجال ويحرقونهم أمام الناس
والنساء إذا ثبتت عليهن التهمة كنّ يعلقن من شعورهن حتى يمتن
إمرأة تعلق من شعرها إلى أن تموت و إن كانت حامل يبقر بطها بسكين فتقتل هي وجنينها أمام الناس
وغير ذلك من مشاهد التعذيب التي كان الناس يتناقلونها
وكنت أفزع من سماع خبرها ما بال أبي وديوان التفتيش محاكم التفتيش ما شأن أبي!؟
أبي ليس على دين آخر نحن على دين النصرانية ونحن نتكلم الإسبانية
فسكت ولم أجب...
فهنا ردد أبي مالك لا تجيب هل تستطيع أن تكتم ما سأقوله لك؟
ففكرت الآن أنا صرت رجلا ولابد لي من كتم السر
فقلت نعم نعم يا أبي أكتم سرك
قال الأب: تكتمه حتى عن أمك وأقرب الناس إليك!؟
فقلت: نعم
قال: إقترب مني وأرني سمعك جيدا فأنا لا أقدر أن أرفع صوتي
فللجدران آذان أخشى أن يكون أحدهم جالسا يتجسس ويسمع
لو سمعني سيشي بي إلى ديوان التفتيش فيحرقوني حيا
فاقترب الولد من أبيه وقال له: قل يا أبي أنا مصغٍ إليك أستمع
فأشار الأب إلى الكتاب الذي كان على رف قال: يا بني هل تعرف هذا الكتاب!؟
فقلت له!؟ لا
قال الأب هذا كتاب الله
فقلت: هذا الكتاب المقدس الإنجيل الذي جاء به يسوع المسيح ابن الله
هكذا تعلمت في المدرسة لم يخبروه أنه من أسرة مسلمة خشية على أنفسهم والعذاب
لو أخبروه سيكون لهم العذاب الحتمي فاضطرب الأب وارتجف من هذا الجواب قال:
كلا يا بني هذا هو القرآن الذي أنزله الله
الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
أنزله على أفضل خلقه وسيد أنبيائه سيدنا محمد بن عبد الله النبي العربي صلى الله عليه وسلم
الولد يقول ففتحت عيني مندهشًا لم أفهم شيئا ماذا تقول يا أبي هذا كلام أول مرة يسمع
تخيلوا إنسان ما سمع بالإسلام أصلا ولا سمع بمحمد ولا سمع بالقرآن ولم يعرف دينا سوى المسيحية
ولم يعرف أن الله واحد ليس له إبن، طول عمره مربع على هذه المعاني
قلت: لم أفهم شيئا يا أبي!!
فقال: يا بني هذا كتاب الإسلام دين بعثه الله به رجلا إسمه محمد إلى الناس كآفة
ظهر هناك وراء البحار وراء البوادي في صحراء بعيدة قاحلة في جزيرة العرب
في مدينة إسمها مكة في قوم بدو كانوا مشركين كانوا متعادين كانوا جاهلين
فهداهم الله بمحمد إلى التوحيد عبادة الله الواحد وعدم عبادة الأصنام والأحجار والأوثان
فتوحدوا بهذا الدين على يد هذا النبي وظهرت فيهم القوة وعلمهم مبادئ العلم ومبادئ الحضارة
وأسس عقولهم على النظر العقلي والمنطقي والتأمل في الكون
وجاء القرآن الكريم وحي من الله رب العالمين على لسان ملك عظيم
هو جبريل عليه السلام بوحي من الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم آخر النبيين
فعلمه القرآن فنقل كلام الله عز وجل إلى الناس كلام معجز ليس فيه باطل
وعلمهم أن الله واحد لا شريك له ليس له ولد وليس له زوجة
كيف يكون له ولد من البشر؟!
وقبل أن يكون له ولد أين كان هل كان هذا الولد إلها!!
هو لم يوجد فكيف يكون إله؟!
بدأ يعلم أمر الدين يقول فتوحد المسلمون بذلك وبدأوا ينشؤون حضارة من أخلاق
قبل أن يبنوا حضارة من حجارة، بدأوا يبنون حضارة من مبادئ وقيم يتعاملون مع البشر بها
قبل أن يبنوا التكنولوجيا والصناعة والتقنية وتأسست هذه الأمة العظيمة
فخرجوا يفتحون المشرق والمغرب وانطلقت الفتوحات في زمن قياسي
حتى وصلوا إلى اسبانيا الجزيرة التي نعيش فيها دخلوها وكان يملكها جبار عاتي ظالم
يظلم حتى شعبه والشعب كان مظلوما فقيرا جاهلا متأخرا
والملك في جبروته وفي عزّه وفي ملكه وفي ترفه
فدخل هؤلاء الأبطال جاؤوا من المغرب وأزالوا الحكومة الظالمة
وملكوا الأمرا في إسبانيا فعدلوا بين الناس وأحسنوا إليهم وأمنوهم على أرواحهم وأموالهم
وسمحوا للناس أن يعبدوا الله كما يشاءون فلم يجبرون إنسانا على دينهم ولم يغيرو من عادات الناس
ولم يسرقو ولم يظلمو ولبثوا يحكمون هذه الجزيرة شبه جزيرة إيبيريا 800 سنه 8 قرون
وجعلوها أرقى وأجمل بلاد الدنيا بنو حضارة بنوا مدينة كانت مدن إسبانيا عاصمة العالم في العلم
جامعات إسبانيا هذه كان يأتي إليها الناس من أوروبا يتعلمون فيها
وصار الناس في أوروبا يقلدون العرب لمكانتهم وعلمهم وشهامتهم وشجاعتهم وبطولتهم
يا بني هؤلاء العرب المسلمون أهل التوحيد وأهل الحضارة وأهل العدل
وأنا منهم أنا من العرب المسلمين
يقول الولد فلم أملك لساني من الدهشة والعجب والخوف
؟!!وصحت ماذا نحن عرب نحن مسلمون
فقال: نعم يا بني هذا هو السر الذي أفضي به إليك
نعم نحن أصحاب هذه البلاد نحن الذين بنينا هذه القصور
هذه قصورنا التي الآن فيها ملوكهم نحن الذين بنيناها ما كانت حضارة في الأندلس
نحن الذين صنعنا هذه المآذن التي عليها النواقيس وعليها الصلبان
هاته كانت يرن فيها صوت المؤذن الآن صار يقرع فيها الناقوس
نحن الذين أنشانا هذه المساجد نحن الذين بنينا هذا البناء العظيم،
نحن الذين صنعنا هذا القصر الأحمر
وهذه المساجد العظيمة وهذه القناطر الفخمة
وهذه المجار المياه التي تدل على عقل وعلم والتقنية والحضارة
نحن الذين أنشأنا هذه المساجد
كانت مليئة بالمصلين يصف المسلمين فيها صفا بين يدي الله إمامهم
يتلوا فيهم كتاب الله المقدس القرآن وليس الإنجيل
ثم جاء النصارى وتفرقنا فانهزمنا فسيطروا علينا
وأعطونا المواثيق أن يعاملونا كما عاملناهم
نحن لم نسرقهم فأعطونا الوعود أن لا يسرقون نحن لم نجبرهم على ديننا
فأعطونا العهود على أن لا يجبروننا على دينهم
ونحن لم نغير في كل الأندلس كنيسة واحدة لتكون مسجدا
فأعطونا كل المواثيق أنهم سيعاملوننا بالمثل لم نغير لغتهم ولم نغير دينهم ولم نغير ثيابهم
ولم نمنعهم من كتابهم المقدس الإنجيل وسمحنا لهم بأعيادهم
فأعطونا نفس المواثيق أننا إذا استسلمنا لهم سيعاملوننا كما عاملناهم
فلما إستسلمنا لهم خانوا العهد وهاهي الكنائس تقوم على المساجد هل ترى أحدًا يتلو القرآن
هكذا عاملونا هذه حضارتنا وهذه هي حضارتهم صارت مساجدنا كنائس
يقوم فيها القساوسة والرهبان يرتلون فيها الإنجيل بدل ما أن يسمح لنا بأن نقرأ القرآن
نعم يا بني نحن العرب المسلمين لنا في كل من بقاع إسبانيا أثر
لنا تحت كل شبر منهم منها رفاة جد من أجدادنا أو شهيد من شهدائنا
نحن الذين بنينا هذه المدائن نحن الذين أنشئنا هذه الجسور نحن الذين مهدنا هذه الطرق
نحن الذين صنعنا هذه الطرق نحن الذين زرعنا هذه الأشجار
لكن من 40 سنة خٌدع ملكنا البائس آخر ملوكنا أبو عبد الله الصغير خُدع بوعود الإسبان وعهودهم
فسلم مفاتيح غرناطة فأباحوا حمى الأمة ومدافن الأجداد وأخذوه أسيرا طردوه إلى بر المغرب
ليموت هناك وحيدا فريدا شريدا طريدا وكانوا يتعهدون لنا بالحرية والعدل والإستقرار
وإذ بهم لما ملكوا أحذوا ينشؤون ديوان التفتيش فأدخلوها في النصرانية قسرا وإجبارا
وأجبرونا على ترك لغتنا وأخذوا منا أولادنا يربونهم على النصرانية
فهذا سر ما ترى من استخفاءنا
لماذا أختفي في غرفتي حتى أصلي وأقرا القرآن
لو أحد منهم عرف بذلك سيقتلني ويعذبني أنا وأهلي
وليس بي حول ولا قوة حزننا لا نهاية له على ما نرى من امتهان ديننا ومن تكفير أولادنا
40 سنة يا بني ونحن صابرون على هذا العذاب عذاب لا تتحمله الصخور
ننتظر الفرج من الله تعالى ننتظر أن يتحرك المسلمون في المشرق والمغرب فيحررونا
لكننا لا نياس اليأس محرم في ديننا ربنا موجود والأمل ليس في البشر الأمل فيه سبحانه وتعالى
ديننا دين القوة والصبر والجهاد فنحن صابرون لعل يأتين جيش من جيوش المسلمين فننظم إليه
ونقاتل معه فنحرر البلاد من جديد وتعود هذه الديار إلى أمة الإسلام من جديد
هذا يا بني هو السر العظيم فاكتمه واعلم يا بني أن حياة أبيك معلقة بشفتيك لست أخشى الموت
أو أكره لقاء الله عز وجل لكني أحببت أن أبقى حيا لسبب
فتعجب الولد من الذي يريد أن يبقى حيا وهو يعيش بهذه الطريقة في كل يوم يخاف الموت
ولا يستطيع أن يمارس حريته ولا يستطيع أن يعبد الله كما يريد
ولا يستطيع أن يربي إبنه كما يريد
من يتمنى الحياة في مثل هذه الظروف
فقال: لماذا يا أبتي تريد الحياة؟!
فقال: أريد أن ابقى حيًّا حتى أعلمك أنت لغتك ودينك أنا لا أريد لك أن تبقى في ظلام الكفر
أنا أريدك أن تتعلم الإيمان والإسلام والقرآن واللغة العربية من أجل هذا أريد الحياة
إنه المعنى الجميل المعنى الثاني واستمر الحوار بين الأب والإبن حتى دخل الليل
والأب يُعلم إبنه معاني الإسلام والإيمان ومبادئ هذا الدين ومبادئ اللغة العربية وحروفها
فلما تعب الأب قال لإبنه: قم الآن إلى فراشك يا بني ونكمل في الغد إن شاء الله
قام الولد إلى فراشه فلما صار الصباح وذهب إلى مدرسته...
إنطلق في ذلك اليوم على غير ما كان ينطلق به من قبل
كان في السابق لما يمر ويرى من بعيد قصر الحمراء لا مآذن غرناطة وعليها الصلبان
كان يشعر بالعز والفخر أنه جزء من هذه المدنية والحضارة العظيمة
يقول: الآن بدأت أنظر إليها نظرة أخرى ترى عز عليّ
فأحس بالشوق إلى هذه الأمجاد العظيمة وأحس بالحزن لِما وصلنا إليه من حال
أحس بالحب لهذا الدين العظيم والأجداد العظماء
وأحس بالبغض لمن ضيّع هذه الأمة ولمن خان العهد
وأذل هذه الأمة من النصارى تغير قلبي وتغير عقلي بليلة واحدة
وضللت على هذا الحال تمر علي أحيانا ساعات طويلة وأنا مذهول لا أعرف كيف أفكر
لا أعرف ماذا سأقول وأحيانا أمشي في الشوارع وأنا مذهول أخاطب قصر الحمراء
وأخاطب بيوت غرناطة وأقول أيتها الحمراء أيتها الحبيبة أنسيت أصحابك؟
أنسيت من غدوك بالأرواح أنسيتي من سقوك بالدماء والدموع؟
هل تجاهلت عهدهم هل أنكرتي ودّهم
أنسيت الملوك والعلماء الذين كانوا يفيضون عليك بالمجد والجلال والأُبهة والجمال؟،
أولئك الأعزاء الكرام الذين إذا قالوا أصغت الدنيا لهم
أنسيت الآذان هل تعودت على النواقيس أتعودت على الرهبان بعد القرآن والأئمة؟
وأحيانا أتكلم بصوت بيني وبين نفسي ثم أتذكر فأسكت
خشية أن يسمعني أحد فيأخذني إلى دواوين التفتيش
ويسرع عودة إلى الدار حيث نشأت في هذه الدار في الغرفة السرية للأب بدون علم حتى من الأم
أو أي أحد لأن أباه أوصاه أن يخفي السر حتى عن أمه
بدأت مدرسة لتعليم هذا الولد مدرسة فرد بفرد الأب يعلم إبنه اللغة العربية
وبدأ أولا بالحروف فأمرني أن أكتب له فكتبت له بالحروف الأوروبية العجمية
وبدأ يعلمني أن هذه ليست حروفنا وبدأ يعلمني الحروف العربية وبدأ يعلمني كيف أنطق بها
فكانت في البداية صعوبة علي ثم مع الأيام ومع حرصي وحماسي أتقنتها حتى ما عدت أخطا بها
وكذلك مدرسة كاملة من هذه الدروس كانت لي دروس في الفقه فيعلمني الوضوء ويعلمني الصلاة
وكنت أقوم بقربه أصلي خفيةً بالسر في هذه الغرفة الرهيبة وما زال الخوف مسيطر علي
ومسيطر أكثر على أبي يخشى أني صغير قد أفشي السر لأن الصغير لم يتعود أن يكتم السر
فكان يمتحنني فماذا كان يفعل كان يرسل أمي وأنا كنت أظن أن أمي لا تعرف ماذا نفعل
فكان يرسل أمي إلي فتسألني أمي تقول لي ماذا يعلمك أبوك؟!
فأقول لا شيء فتقول أنا أعرف أنه يعلمك شيئا لا تكتمه عني
نتحدث
عما تتحدثون؟
لا شيء
تعلمت أن أكتم عن أمي وأمي أصلا مسلمة عربية تعرف هذه الأمور
ولأني كنت صغيرا لم أنتبه للتصرفاتهما الغريبة قبل أن يفضي لي أبي بالسر
لكن كانت تختبر إبنها خشية أنه لو ظهر الأمر ستقتل هي وزوجها أبو محمد
يقول: وظلت هذه المدرسة العجيبة في هذه الغرفة السرية تذكرنا ببداية الإسلام الأول في دار الأرقم
يقول حتى أتقنت اللغة العربية وفهمت العقيدة وعرفت القرآن وفهمت شيئا كثيرا من التفسير
وعرفت قواعد الدين وتعلمت أحكام الفقه وكان أبي عنده كثير من العلم فكان يعلمني مما يعرف
ثم في يوم من الأيام جاء أبي بأخٍ له ليس أخا من النسب وإنما أخ له في الله
الصاحب العزيز الصديق المقرب فدعاه إلى الغرفة السرية فتعجبت
فعرفني عليه وقال: أنا علمتك ما أستطيع وهو يعرف أمورًا أخرى
فكان يجتمع معنا ويعلمنا نحن الثلاثة يعلمنا مزيدا من الفقه ومزيدا من القرآن ومزيدا من العقيدة
وظللنا في هذه الغرفة السرية ظللت أتعلم وأتفقه وأفهم هذا الدين
لكن دواوين التفتيش بدأت تزداد قسوة
بدأ الجواسيس يفتشون بشكل أكبر وكل يوم كان التنكيل والعذاب يزداد في البقية الباقية من العرب
أي واحد عربي أو أصله عربي كانوا يراقبونه مراقبة خاصة
ولم يكن يمضي يوما إلّا ونرى بين 20 إلى 30 يوميا من المسلمين إمّا مصلوبين أو محرقين بالنار
ولا يمضي يوما من الأيام لا نسمع بمئات كانوا يؤخذون إلى السجون يعذبون أشدّ العذاب
تقلع أظافرهم وهم يرون ذلك بأعينهم يسقون الماء حتى تنقطع أنفاسهم
وتكوى أرجلهم تكوى جنوبهم بالنار تقطع أصابعهم تشوى أصابعهم
توضع في أفواههم أصابعهم حتى بعد أن تسوى يجلدون جلدا
حتى يتناثر اللحم منهم هكذا كانوا لكن كيف الأمة عندما تخلت عن العز يحدث هذا الآن
واستمر ذلك فترة طويلة...
ثم جاء أبي في يوم من الأيام قال يا بني أحس بأن أجلي قد دنى وأنا أهوى الشهادة
لعل الله سبحانه وتعالى يرزقني أجر الشهداء والجنة لم يعد عندي هدف في الدنيا
أنا كنت أتمنى أن أبقى في الدنيا من أجل أن أنقذك من ظلمة الكفر وأعلمك القرآن والعربية والدين
والحمد لله الآن أنت صار عندك من العلم ما يكفي
وأتقنت العربية حملتك الأمانة التي كنت أسقط من ثقلها
إذا أصابني أي أمر أطع عمك هذا ولا تخالف في شيء فتمنيت له طول العمر
مرت على ذلك عدّة أيام لكن في ليلة سوداء من ليالي الظلام
إذ عمي هذا يدعوني ويأمرني أن أذهب معه
فقلت: إلى أين!؟
قال: الله سبحانه وتعالى يسر لنا طريق
إستطعت أن أتفق مع بعض الناس ينقلوني من الأندلس إلى المغرب بلد المسلمين
...فنعيش بين المسلمين
فقلت له: أبي وأمي فأخذ يجرني ويشدني من يدي ألم يأمرك أبوك بطاعتي!؟
فقلت: نعم ومضيت معه وأنا أقول أبي أمي
فلما إبتعدنا عن المدينة وشملنا الظلام صرنا بهدوء نحو الشاطئ
فقال: إصبر يا بني قد كتب الله لوالديك المؤمنين السعادة على يدي ديوان التفتيش
أنا أنقذتك منهم فترحمت على أبي وأمي وركب الغلام السفينة وهو يبكي
وانتقل إلى بر المغرب وعاش هناك يتذكر هذه الأيام الصعبة على النفس
وانطلق في درجات العلم يتعلم المزيد من الفنون العربية وبلاغتها ونحوها
وفنون القرآن وعلم الفقه
حتى صنع الله تعالى منه العالم المصنف سيدي بن عبد الرفيع الأندلسي
من أعظم علماء المغرب له المؤلفات الكثيرة والتصانيف العجيبة ونفع الله به الأمة.
يروي هذه القصة هو عن نفسه وفيها من العبر والمعاني الشيء الغريب ...
إياكم أن تتخلوا عن دينكم إياكم أن تظنوا أن هؤلاء لهم أمان أو لهم عهد
والله لو سيطروا علينا ليصنعوا بنا كما صنعوا من قبل لا تظنوا أن لهم أخلاقنا
ليس لهم هذه الأخلاق نحن أهل الأخلاق نحن أهل التسامح نحن أهل الإعتدال
هؤلاء إنما يدّعون القوة لكن في اللحظة التي لا يرون مصلحة
أو لا يرون أحد يهابونه سيفعلون بنا الأفاعيل
تعلموا من دروس التاريخ وتذكروا قصة محمد الصغير
العالم الكبير محمد بن عبد الرفيع الأندلسي رحمه الله تعالى
هذه القصة العجيبة ذكرناها لكم حتى نعرف الحضارة التي صنعناها في الأندلس
ثم للأسف لمّا تمزقنا كيف ضاعت الأندلس لما تفرقنا ليس بقوة أعدائنا بل تفرقنا وضعفنا
هذا الذي حدث لنا هذا الضعف والتفرق الذي تمر به الأمة اليوم هو السبب في عزة أعدائها
أعدائنا ليسوا أعزة بقوتهم ولا بدينهم وإنما بسبب ضعفنا نحن بذلنا رفعناهم
ولو كنا أعزة لذلوا أمامنا ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
إعتزوا بالإسلام أدعوا إلى الله وحده أرفضوا كل من يفرق هذه الأمة
ولا تثقوا بعهود أعدائكم واعلموا أن الله سبحانه وتعالى معكم ولن يترككم أعمالكم.
المصدر من 👈هنا👉
لمزيد من قصص الشخصيات التاريخية المؤثرة التي صنعت مجدها وكتبت وخلّدت اسمها بأحرف من ذهب
يمكنكم الإطلاع بالقسم الخاص بقصص الشخصيات التاريخية من 👈هنا👉