![]() |
قصة بائعة الكبريت |
زمان في ذلك الزمن الذي فات في الحكايات القديمة يحكى أن فتاة لطيفة يتيمة توفيت أمها
وتركتها صغيرة لجدتها وأبيها يتكفلان بتربيتها، لكن الأب كان قاسي الطباع غضوب مدمن كحول
غير مبالٍ بمسؤولية الطفلة وجدتها الحنونة طيبة لكنها طاعنة في السن
كانت تحنو وتعطف عليها وتعوضها قسوة الأب وحرمان حنان الأم
الأب كان يرغمها على الخروج لبيع الكبريت ولا تعود إلى البيت إلّا وقد باعت كل الكمية
ورغم هذا فقد كانت لا تملك من اللباس إلّا الملابس الرثّة البالية المرقعة
ونعال جدتها غير المناسبة لمقاسها
وكان هذا دأبها كل يوم الخروج صباحا تتجول بين الأزقة والشوارع لتبيع أعواد الكبريت وتعود مساءًا
وإن لم تبع كمية أعواد الكبريت ستتعرض للعقاب الشديد من أبيها خاصةً إذا كان ثملًا
فتاة الكبريت تنادي في المارة:
"أعواد كبريت من يشتري مني أعواد الكبريت ثمنها زهيد ورخيص.. أعواد كبريت اشتروا مني"
..أعواد الكبريت
سيدتي... ألا تريدين بعض من أعواد الكبريت!!
سيدي هلّا اشتريت مني بعض من أعواد الكبريت
لم تتوقف الفتاة وهي تنادي بين المارة، كبريت.. كبريت... أعواد كبريت
إنها رخيصة الثمن أرجوكم اشتروا مني هذه الكمية
ولكن لسوء حظها هذا اليوم لم يشترِ منها أحد ولا علبة واحدة من أعواد الكبريت
وقد كانت ليلة مثلجة شديدة البرد وهي لا ترتدي إلّا
الملابس الخفيفة والنعال الكبيرة واشتّد عليها البرد جدا وقد اقترب المساء وحلّ الظلام
يئست الفتاة من المناداة والمشي والتّجول دون أن يشتري منها أحًدا عود ثقاب واحد
وبينما هي كذلك شعرت بالجوع الشديد والتّعب
فنظرت إلى إحدى البيوت من النافذة لترى ذاك المنظر الذي أسِر قلبها
وحزّ في نفسها أمنية أن تكون فردا من أفراد هذه الأسرة السعيدة،
حيث تشعر بدفء الأسرة قبل دفء المكان واللباس والأكل الشهي
وهي تنظر حالمة إلى الدجاجة المشوية ويسيل لعابها
وتتخيل نفسها أنها تقضم منها قضمات تسّد بها جوعها ورشفات من العصير تروي بها عروقها
وهي بجانب تلك الفتاة التي تبدو بنفس عمرها وترى نفسها ترتدي ذاك الوشاح الأحمر يلتف حول عنقها
والمعطف المنسوج من الصوف تجمع فيه شتات دفئها
والجوارب بدفئها يعيد لها سريان الدم في قدميها
كما تخيّلت نفسها تداعب تلك الدمية الجميلة ولم يسبق لها أن امتلكت لعبة واحدة في حياتها،
...يا له من شقاء طفلة صغيرة
ثم تتخّيل أنها تخلد إلى ذاك الفراش الدافئ الناعم
وتهنأ بأحلام سعيدة تلتقي فيها مع أمها وتبث لها أحزانها وقسوة أبيها ومرارة عيشها
وهي تسمع من خلف النافذة وتسمع تلك الكلمات الحانية بين الأسرة
الأم: البرد قارس جدا خارج المنزل
الطفلة الصغيرة: لكني أشعر بالدفء أمام هذه المدفأة
الأم: نعم الحمد لله على وجود الموقد والحطب
ثم استفاقت بائعة الكبريت من حلم اليقظة واغرورقت عيناها وامتلأت دموعا وحزنا
وجسمها يرتعد بردا وقدماها متجمدتان لا تقوى على الحركة والسير
وهي تفكر كيف تعود إلى المنزل ولم تبع عود ثقاب واحد
ثم عادت تردد: أعواد كبريت.. أعواد كبريت، اشتروا مني علبة كبريت واحدة
لم يكترت لها أحد فالجميع مستمتعا بأجواء هطول الثلج تحت أضواء الشوارع المتلألئة وهي تزين المدينة
بعدما اشتدت العاصفة أكثر وتزايدت كثافة هطول الثلج لجأت تحت زاوية أحد البيوت وهي تناجي ربها يا رب ساعدني
ومن شّدة البرد القارص رغبت في الدفء ولو بشيء بسيط
ثم قررت أن تشعل عود الثقاب علّها تلمس منه شيئا من الدفء ثم تذكرت عقاب أبيها الشديد
فقد يكون أشد ألما من هذا البرد القارص
بعد لحظات لم تحتمل البرد. وقالت لا بأس بإشعال عود ثقاب واحد لا يكتشف أبي الأمر
أشعلت عود الثقاب الأول وأبحرت بخيالها داخل شعلة النار الصغيرة الملتهبة
وهي ترتدي أسمك الثياب المنسوجة من الصوف
والقطن الدافئ وهي تجلس على الكرسي الهزاز أمام المدفأة وتقرأ قصصها المفضلة،
وسرعان ما انطفأ عود الثقاب
أعجبتها أحلام اليقظة كثيرا وأشعلت عود الثقاب الثاني فسرحت بخيالها داخل ضوءٍ خافت
ورأت أمها تُسرح شعرها ثم قصّت عليها فتاة الكبريت معاملة أبيها معها
أمي ذات يوم عدت إلى البيت دون أن أبيع علبة كبريت واحدة.."
لكن أبي لم يرحم ضعفي ولم يرأف بسني وضربني ضربا مبرحا
وجدتي المسكينة الضعيفة لم تقوَ على الدفاع عني،
أرجوك أمي عودي إلي إحميني من عقاب أبي أحتاج عطفك وحنانك فلم أعد أتحمل هذه الحياة وقساوتها.
البرد شديد هنا وثيابي لا تقيني نسمة الهواء العليلة فكيف لها أن تحميني من عاصفة ثلجية قوية هوجاء
إشتقت إليك أمي".
وتخيلت نفسها أنها تحضن أمها وإنطفأ عود الثقاب الثاني
أشعلت عود الثقاب الثالث وتخّيلت نفسها تراجع دروسها وأمها تساعدها في حل واجباتها المنزلية
وتصحبها للذهاب إلى المدرسة وتعود إليها بتحصيل النقاط الممتاز و انطفأ عود الثقاب
أشعلت عود ثقاب الرابع وسرحت بخيالها داخل ضوء الشمعة الخافت
وتخيّلت مجموعة من الألعاب الجميلة تملأ غرفتها وسريرها
وتتوجه إلى ذلك الفراش الحريري لتنعم بنومة هنيئة وأحلام سعيدة وإنطفأ عود الثقاب
وأشعلت عود الثقاب الخامس، رأت أباها داخل الشعلة يحنو عليها ويعوضها فراق أمها
وجدتها تحكي لها الحكاية كل ليلة
وإنطفأ عود الثقاب، ثم استيقظت بائعة الكبريت من حلم يقظتها وهي تبكي بدموع منهمرة على خديها
وكل جسمها يرتعد بردا
عادت بائعة الكبريت إلى البيت وتلقت التوبيخ من أبيها كالعادة
مرت سنتين وتوفي أبوها وهي بعمر 12 سنة.
تكفلت جدتها برعايتها وكانت جدتها تشتغل في نسج الصوف وبيعه
كما أن بائعة الكبريت لم تتخلَّ عن بيع أعواد الثقاب في أوقات
العطل المدرسية
واصلت بائعة الكبريت دراستها وكّدت واجتهدت في مشوارها الدراسي كله
وكانت تُوفق بين العمل والدراسة وبعدما أنهت دراستها
أسست مشروعها الخاص في بناء مصنع كبير لإنتاج أعواد الثقاب
وأصبحت شركتها أكبر شركة إنتاج الكبريت في مدينتها والمدن المجاورة
عوضت جدتها كل أيام البؤس والشقاء التي ضحّت فيها من أجلها في سنواتها القليلة المتبقية من حياتها
نست بائعة الكبريت كل هموم الشقاء والألم الذي عانته في طفولتها
وأنشأت مؤسسة لأطفال اليتامى حتى يتم العناية بهم ومراعاتهم والإحسان إليهم ودعمهم في دراستهم
حتى لا يتعرضوا لمثل ما تعرضت إليه عندما كانت صغيرة
وهكذا نجحت بائعة الكبريت في حياتها بعد كل ما واجهته
وما تعرضت له من صعوبات وآلام وحرمان لكنها لم تستسلم بل كافحت
وثابرت وبعد ذلك نجحت وواصلت في تحقيق أحلامها
ثم كتبت رسالة قصيرة إلى أمها
"أمي نبع حناني صحيح أني افتقدتك لكني
لم أفقد الأمل في أن أحقق النجاح الذي طالما كنت تحلمين أن أصل إليه،
شكرا أمي على دعمك وحبك وعطفك
كنتِ نعم الأم .... لقد اشتقت إليك كثيرا، أحبك أمي"
المغزى من القصة
الإنسان الناجح لاينتظر أن يكون طريقه ممهد ومفروش بالورود حتى ينجح
بل عليه أن يكافج ويجاهد بنفسه وينزع الأشواك الذي تعترض طريقه ويغرس فيه الورود التي يريدها
"الإيمان والإصرار بالله والصبر والمثابرة طريق للنجاح"
الخيال لدى الأطفال وتغرس بداخلهم القيم الفاضلة
ولمزيد من قصص الأطفال المشوقة والممتعة التي تثري الرصيد الفكري وتوسع الخيال لدى الطفل
يمكنك زيارة القسم الخاص بقصص الأطفال من 👈هنا 👉