![]() |
قصة البجعات المتوحشات |
زمان في ذلك الزمان الذي فات يحكى أن هناك ملك عادل يحكم مملكته بإدارة حكيمة
رزقه الله بفتاة إسمها هناء بعد 12 ولد
فكانت البنت المدللة لوالديها وكذلك إخوتها يحِنون عليها ويعاملونها بلطف
ولا يتركون لها طلبا إلا ويلبونه لها على الفور
وهي أيضا كانت متعلقة كثيرا بأخوتها ووالديها ولا تستطيع مفارقتهم حيث تلعب معهم ويلعبون معها
وقدر الله بعد سنوات أن توفت أمها وتركتها وحيدة بين إخوتها وأبيها
حزنت هناء على أمها حزنا شديدا رغم الحنان الذي أغدقه الأب وإخوته عليها
إلا أنها كانت متعلقة بأمها ولم تستطيع نسيانها
لكن يوما عن يوم تقبّلت هناء الأمر الواقع وسلمت أمرها وتلاشى الحزن من حياتها
وعادت هناء لطبيعتها وضحكتها ولعبها ومرحها
قرّر الأب الملك أن يتزوج من إمرأة أخرى تؤنسه في حياته
لكن للأسف وسوء الحظ كانت هذه المرأة التي تزوجها رغم جمالها ومنصبها؛
إلّا أنها سيئة الطباع وتغار على هناء ومن معاملة الأب وإخوته لها.
فقرّرت زوجة الأب الشريرة أن تفرق بين الإخوة الأولاد وأختهم هناء
وبعد العديد من محاولات المكائد والمؤامرات تمكنت من نفي الإخوه 12 أخ خارج المملكة بسحر قوي
وهو ممّا حولهم إلى بجعات متوحشة
وما فتأت الزوجة الشريرة حتى كادت لهناء مكيدة هي أيضا وطردتها خارج القصر
شريدة طريدة وبقيت هناء المسكينة تائهة في الغابات منذ أسابيع طويلة
قُوتُها من حصاد الأرض ومياه السواقي وهي على حالها هذا عددا من الأيام
حتى إنتهى بها المطاف إلى شاطئ البحر وهي تمشي سارحة بخيالها
بين الصخور و أمواج البحر المتلاطمة حدّثت نفسها…
"إذا تمكنت المياه العذبة هذه من تمليس هذه الصخور الصمّاء فهل من المستحيل أن أعثر على إخوتي"؟!...
كلي أمل أن ألتقي بإخوتي بتوفيق من الله وأنا على يقين بهذا
وما هي إلا ساعة من الزمن حتى لاح لهناء في أفق السماء سرب من البجعات المتوحشات
وكان عددهم 12 بجعة يعتلي رؤوسهم التيجان المرصعة بالجواهر
حطّت هذه البجعات بقرب من هناء وراحت تتجول بين الأعشاب والصخور على مقربة من الشاطئ
وهناء ترقبهم بنظراتها وبعد دقائق ولحظات غربت الشمس وأظلمت السماء
وفجأة تحوّلت هذه البجعات إلى 12 فتى في غاية الأناقة والجمال والوسامة.
إستبشر وجه هناء فرحا وسرورا وأيقنت أن هؤلاء إخوتها ال 12 الذين فقدتهم قبل أسابيع
واتجهت منطلقة نحوهم وهي تصرخ وتردّد بفرح إخوتي إخوتي
وارتمت في وسطهم تعانقهم الواحد تلو الآخر وعيناها ممتلئان بدموع الفرح
ثم لبثوا ساعة من الزمن يحدثونها و يستفسرون عن حالها وكيف وصل بها الحال إلى هنا!!
حتى قال كبيرهم بعينين دامعتين حزينتين ونبرة ملؤها الندم والحسرة على ما آل إليه حالهم:
"لقد طُردنا من المنزل بسبب زوجة أبي الشريرة بعد أن كنا نحن ملوك وأسياد القصر في حياة أمي
الإخوة: أختي الغالية ليس لنا من الوقت في هذا المكان سوى يوم أو يومين
سنرحل بعد غد مضطرين إلى مكان بعيد لا نعود منه إلا بعد سنة أو أكثر من ذلك
ترجّت هناء إخوتها أن يبقوا معها ويعودوا إلى القصر وهي لا تعرف القصة
والتي من المستحيل أن يعودوا معها وحالهم هكذا بجعات متوحشات نهارا وفتيان شبان بكامل أناقتهم ليلا
قال أحدهم: مستحيل يا هناء مستحيل أن يحدث هذا لقد أُصبنا بأقوى أنواع السحر
نحن شبّان ليلا فقط أما نهارًا فقد نتحول إلى بجعات متوحشات
ولا نستطيع أن نرافقك إلى القصر بهذه الهيئة هناء:
حسنا خذوني إلى حيث تذهبون فلا حياة لي بدونكم
قال آخر: كيف هذا يا هناء نحن في النهار نتحول إلى بجعات ضِعاف الأجنحة لا نقوى على حملك معنا
هناء: لا يهمني.. لا يهمني.. مهما كلّف الأمر خذوني معكم خذوني معكم
لا تتركوني هنا في هذا المكان الموحش المخيف
فلمّا رأوا إصرارها وإلحاحها ودموعها المنهمرة كالشلال والحرقة تكاد تفقدها وعيها وصوابها
فكروا جميعا في طريقة يحلقون بها معهم وهم يمسحون دموعها ويهدئون من روعها
حتى قال أحدهم لماذا لا نصنع نسيجًا من أرجوحة نصل خيوطها ببعضها البعض
وتركبها هناء ونربطها بأجنحتنا
وهم على حالهم هذا في تنفيذ الفكرة التي طرأت على بالهم أخذوا ينسجون أرجوحة قوية
حتى أشرق الصباح فتحولوا إلى بجعات وهم يشتغلون في نسج الأرجوحة
حتى حلّ الظلام ورجعوا فتيان وفي الصباح الباكر أصبحوا بجعات وحان وقت الرحيل
تمسكت هناء بالأرجوحة وتثبتت بشكل جيد وأخذ الاخوة يربطون الخيوط والحبال حول أجنحتهم
ثم حلقوا بها بعيدا حتى انتهى بهم المطاف إلى مغارة خلف التلال
فنزلوا للإستراحة وغطّوا في نوم عميق يذهب عنهم تعب التحليق
نام الإخوة جميعا إلّا هناء فارق النوم جفنيها وهي سارحة في السماء حتى تجلّت لها جنية طيبة
قالت لها الجنية:
لقد حلّ بإخوتك سحر قوي وسيُبطل إن نفدتِ ما أقوله لك وآمرك به بالحرف الواحد...
إجمعي كمية كبيرة من القريص ( عبارة عن نبات ذا خيوط رفيعة ومتينة)
وانسجي لإخوتك 12 قميصا لكل واحد منهم قميصا
وأثناء حياكتك للقمصان أصمتي عن الكلام إطلاقا وإياك أن تنطقي بحرف واحد
وعندما تنتهين من حياكة ونسيج هذه القمصان أعطيها لإخوتك يرتدونها
فيعودوا إلى طبيعتهم البشرية و يتحرروا من سحرهم هذا
وفي الصباح الغد همّت هناء بجمع عشبة القريص ونسج القمصان وهي تغزل بكل همّة ونشاط
حتى تنتهي بأقرب وقت ممكن وكانت تجلس بحديقة قصر الأمير.
مرّ بطريقها الأمير الفتي راكب حصانه ألقى نظرته عليها فسُحر بجمالها وهمّة نشاطها
إقترب منها ليكلمها
ثم خاطبها قائلا: مرحبا أيتها الحسناء الجميلة ماذا تصنعين!؟
لم ترد عليه هناء بكلمة واحدة
إستغرب لأمرها ثم كرر عليها السؤال مرة ثانية وأطرقت برأسها تأبى محادثته.
فظن بها أنها خلجلت وأنها مجرد فتاة مسكينة تحتاج مساعدة
أدخلها القصر وأمر الخدم بخدمتها ومساعدتها وإطعامها
أدخلت معها نسيج القريص والقمصان التي كانت قد انتهت من بعضها
والأمير يعتقد أنها بائعة الأنسجة التي تنسجها بيدها
أسكنها غرفة فخمة، كل هذا وهي تأبى الكلام مع أحد حتى تنفذ أمر الجنيّه ولا تفسد نجاح المهمة.
ظلّ الأمير مستغربا من حالها وزاد من شكوكه مستشاره الذي قرّر أن يكشف أمرها
كان يعقب ويتابع حركاتها ليلا وهي تذهب إلى مكان خارج القصر لتجمع القريص
ثم تعود إلى غرفتها وكان المكان الذي تجمع منه القريص بقرب من المقبرة
لا يرتد إلى هذا المكان إلا الساحرات الجنيات الشريرات.
فقرر المستشار أن يُحضر الأمير ليرى بعينه أن هذه الفتاة تخفي وراءها شرٌ مخيف
وشهد بعينه ما تقوم به من جمع القريص وهو أمر غريب!!
ماذا يمكن لفتاة في هذا الوقت من الليل أن تفعل بالقريص
ظن الفتى الأمير بهناء شر الظنون وأسوئها
فقرّر إلقاء بضاعتها والزج بها في السجن
لم تكترث هناء للمصير الذي آلت إليه فقد كان كل شغلها الشاغل
وهمّها المسيطر على عقلها وتفكيرها أن تنهي من نسج الأقمصة
ولم تضيع لحظة واحدة داخل الزنزانة وهي تواصل نسجها للأقمصة بمشقة واجتهاد
وفي صباح الغد ربطها جنود الأمير بعمود ثبته على عربه ليأخذوها إلى السوق
ويجوبون بها الأزقة والشوارع حتى يسخر منها الجميع
وفي لحظاتها الأخيرة من نسج آخر قميص
في غمضة عين هبطت 12 بجعة وهي تحوم وتحلّق فوق العربة،
مباشرة ألقت هناء على12 بجعة الأقمصة التي نسجتها
فإذا هم 12 أميرا في أبهى حلّتهم وجمالهم وأناقتهم
إنبهر جنود الملك وجميع المارّة من المشهد
وأغمي على هناء من شدّة الإعياء والتعب والفرح في نفس الوقت
وبعدها نقل الجميع إلى القصر ليفهم الملك قصتهم
روى الإخوة قصّتهم على الأمير كاملةً من بدايتها إلى نهايتها وعرف سر هناء في عدم الكلام.
فأعجب بهم كثيرا وانشرح صدره لهم وزاد حاله انبساطًا وسرورًا لتعرفه على هذه الفتاة
فحزّ في نفسه بعض من الحسرة والندم لسوء ظنه بها
إعتذر منها وطلب الزواج منها وعادوا إلى أبيهم وإلى قصرهم ومملكتهم
وقصّوا على أبيهم القصة من البداية إلى النهاية
وتم معاقبة زوجته أشد العقاب وحرمانها من الأكل والجوع لعدّة أيام
جزاء ونظير فعلتها الشنيعة وبعدها نُفيت خارج المملكة شريدة طريدة
وهذا كان جزاء كل من تُسول له نفسه في إيذاء الآخرين.
لمزيد من قصص الأطفال المشوقة والممتعة التي تثري الرصيد الفكري
وتوسع الخيال لدى الأطفال يمكنكم زيارة القسم الخاص بقصص الأطفال من 👈هنا👉