حكاية كفاح إمرأة الجزء الأخيرتابع الأجزاء الخمسة السابقة من حكاية كفاح إمرأة داخل قسم 👈حكاية |
مرت السنون...و كبر الأبناء....
بنات نصيرة فاطمة وعائشة والزهراء تزوجن،
أما باقي الأولاد كانت الأم نصيرة تعمل بكل ما أوتيت من قوة وعزم في نسج الملابس
والأفرشة الصوفية حتى توفر وتؤمّن الأكل والدراسة والحاجيات الأساسية لأولادها ليكملوا دراستهم
لكن للأسف ولا أحد من أبنائها أكمل دراسته وعوضها التعب والشقاء والتضحية
ظلّت لسنوات طوال تعاني الفقر والحرمان
أما بخصوص التّلاقي بين الإخوة (أبناء صفية وأبناء نصيرة) أصبح نادرا إلا في المناسبات
قررت نصيرة الرحيل إلى المدينة حيث إخوتها وأبوها وكل عائلتها لتستقر هناك
وقبل رحيلهم وصل الخبر إلى عبد القادر أن خالته نصيرة وإخوته سيرحلون إلى المدينة
فعزم على الذهاب معهم طبعا دون أن يخبر أمه (جدته) بذلك
لأنها سترفض وتغضب غضبا شديدا إن أصرّ على قراره، فقرر الذهاب خفية دون علم أحد
جهّز حقيبته البسيطة ذات الملابس البالية وطلب الإذن من خالته نصيرة أن تصحبه معها،
هناك في المدينة سيتعلم مهارة أو يشتغل أي عمل أحسن بكثير من بقائه في القرية
أشفقت عليه زوجة أبيه ووافقت على إصطحابه معها
وفي المساء أخبر عبد القادر أمه (جدته) أنه سيبيت الليلة عند إخوته
لم تعترض الجدّة خيرة على طلبه كالعادة، لقد أصبح شابا كبيرا لا تخاف عليه ولا تحرمه لقاء إخوته
وفي صباح الغد غادرت العائلة القرية نحو المدينة لبدء حياة أخرى جديدة عن القرية لعلها تكون فاتحة خير عليهم
تمر السنون.. لقد أخفق كل أبناء نصيرة في مواصلة الدراسة خاب أملها فيهم
رجع محمد من الخارج وقرر أن يتزوج ويستقر في المدينة ويسكن مع أمه وإخوته في نفس البيت
أما البنات المتزوجات فاطمة وعائشة والزهراء يعيشن حياة ضنكة مع أزواجهن
حالة من الفقر المدقع أكثر سوءا ممّا كن عليه في بيت أبوهم
أما بالنسبة لعبد القادر دخل المعهد ليتحصل على شهادة مهنية في الإعلام الآلي ليشتغل بها ويعتمد على نفسه
وفي نفس الوقت كان يشتغل ويعمل عدّة أعمال مختلفة،
مرة عند المقهى ومرة بائع في البقالة ومرة عند البنّاء حتى يكفي مؤونة نفسه
ولا يكون عبئًا على خالته نصيرة ويزيدها همّا فوق ما هي عليه
وبعد ثلاث سنوات تزوج مصطفى واستقر في بيته مع زوجته
وذات ليلة رأت نصيرة في المنام زوجها يطلب منها العودة إلى القرية ويقول لها:
هناك بيتك وبيت أبنائك لا ترحلي عنه هناك سيجتمع شمل كل أبنائي و أحفادي في المناسبات والعطل الصيفية
إن بقيتي هنا سيباع البيت ويتشتت الأولاد حيث لا يجدون منزلا يجتمعون فيه
ويَصِلون بعضهم البعض، وصيتي لجميع أبنائي أولادك وأولاد نصيرة لا تبيعوا البيت أتركوه ذكرى لأبيكم
تصلون فيه أرحامكم واذكروني بخير واعفوا عني ما رأيتم وما قسيت به عليكم
إستيقظت نصيرة منزعجة من الحلم وهي تتخبط في فوضى مشاعرية وعواصف ذهنية تدور بها
بعد ساعات من الإستيقاظ صحصحت وشربت قهوتها وفكرت مليا في رسالة الحلم
وقالت في نفسها نعم لقد تزوج محمد ومصطفى يجب أن أعود إلى بيتي مع ما تبقى من أبنائي
أرعاهم وأتكفل بمعيشتهم وأساندهم حتى يجد كل واحد منهم عملا نساند فيه بعضنا البعض
أما أنا وسعيدة وآمنة سنستأنف نسج الأنسجة والأفرشة الصوفية
فالآن أصبح محمد ومصطفى متكلفلين بعائلاتهم لا طاقة لهم برعاية شؤوننا
بعد العودة
عادت نصيرة إلى بيتها وقريتها ومنشأ أبنائها..
كانت الحياة عليها وعلى أبنائها أشد قساوة وبؤسا وفقرا وحاجة
وكل هذه السنوات والعيد ابن نصيرة من زوجها السابق بعيد عنها عند أخواله
قد عانى هو أيضا الشتات الأسري والعطف الأبوي وتربى عند جدته وبين أخواله
ورغم الألم والمعاناة وقساوة الحياة كافح واجتهد وأكمل دراسته وتخرج
ثم اشتغل واعتمد على نفسه وأسّس أسرته الصغيرة
تمر الأيام وحال نصيرة وأبنائها على حالة من التقتير والتقشف لتوفير لقمة العيش وسد رمق الجوع
ومكافحة منها بجهد ولم تظنِ عليهم بشيء إلا وحاولت أن توفره لهم
وحتى لا تضطر لمد يدها إلى الآخرين
بعد مرور سنتين
جاءت ابنتها عائشة من المدينة البعيدة التي تقطن فيها لكنها لم تأتِ زائرة زيارة شوق ولهفة الوصال
بل جاءت تشتكي قساوة زوجها وبخله وتقتيره عليها وضيق العيش معه
وما زاد على نصير الهم همًّا أكبر أن عائشة معها ثلاثة أطفال
فالحال يرثى له ولم تجد ما تعين به أبنائها فكيف لها بثلاثة أطفال آخرين لقد عاشت أياما صعبة
لكن قررت أن تطردها وترجعها إلى زوجها رغما عنها
فلا طاقة لها بتحمل أعباء وشقاء أكثر مما هي عليه
وبعد تفكير طويل في كيفية مصارحتها بضيقها عليها وأبنائها فاخترعت كذبة الحلم
في صباح يوم من الأيام إنفردت بها على جنب وفاتحتها بالموضوع على ضرورة العودة إلى زوجها
نصيرة: إبنتي عائشة أرجو أن تفهمي وتعي جيدا ما سأقول أو بالأحرى ما سأقوله لك ليس قولي إنما...ااا
سكتت نصيرة هنينة ثم بادرت عائشة بالسؤال
عائشة: ماذا هناك يا أماه قولي فأنا أسمعك...
وما تقصدين بقولك وليس كلامي!؟ إذا من أرسلك لقول ما ترغبين في قوله؟
نصيرة: لقد رأيت أباك البارحة في المنام وقد أوصاني أن أوصل لك الرسالة بلهجة حريصة شديدة
وأن تأخذي رسالته على محمل الجد حتى يرضى عنك في قبره
عائشة: لقد أخفتيني يا أمي تكلمي ماذا هناك ما هي هذه الرسالة المهمة وبما خاطبك أبي في المنام!!؟
نصيرة: أعرف جيدا مدى القسوة التي تلقيتها من زوجك وأعلم مرارة العيش الذي كنت فيه معه
وأقدر إصرارك على عدم الرجوع إليه مرة أخرى لكن هذه وصية أبيك
أنه يطلب منك العودة إلى زوجك ويبشرك أن أيامك المقبلة ستحمل في طياتها الخير والسعادة بإذن الله
وبدأت نصيره تبكي وتترجى عائشة في الأخذ برسالة أبيها والعودة إلى بيتها وبيت زوجها مع أبنائها
وتصبر وتحتسب الأجر عند الله لتحافظ على أسرتها
حتى لم يكلف زوجها عناء المجيء والإعتذار لها وإرجاعها معه
بل أرسلتها أمها مع أخيها الصغير علي بدون كرامة أو حفظ ماء الوجه
مرت السنون والأخوة الخمسة عشرة المشتركون في أب واحد قد باعدت بينهم المسافات المشاعرية
والحواجز والقيود التي وضعها البشر للتفرقة بين الإخوة إلا ما نذر
أما الأختين المتزوجتين بعيدا عن القرية فلا يلتقين بإخوتهم إلا القليل جدا عند زيارتهم السنوية في بيت أبيهما
وماذا عن حب زينب لأختها الكبيرة عائشة وتعلقها بها في صباها!؟
لقد تلاشى واضمحل ذلك الحب الأخوي البريء الطاهربسبب أرجاس النفوس الشريرة وفرقت بينهما الأيام
حتى أصبح لقائهما أشبه بالغرباء، لقاء فاتر لا تخلله أي حرارة ولهفة إلتقاء الأخوة ورابطه الدم،
لقد افترق شمل الأخوة بعد أن ولدوا جميعا وتربوا جميعا في بيت واحد
وأصبح كل أخ من أب ينظر لأخيه وكأنه أحد المعارف أو الأقارب من الدرجة الثالثة أو الرابعة
وما أكد أن الحب الأخوي إنقطع منذ وفاة الأب وبعدها بزمن قليل تبعته زوجته صفية
وخروج الإخوة من بيت أبيهم إلى بيت جدتهم
أنه بعد مرور الزمن، حدث وأن عائشة سمعت بزواج أختها نورة من خبر نقله أحد المعارف لزوجها
وزوجها أخبرها بذلك دون دعوتها لحضور زفاف أختها من لحمها ودمها
ما إن سمعت عائشة بهذا الخبر؛ انقبض قلبها وحزّ بداخله حزن عميق
أن تسمع من الغريب بزواج أختها دون دعوتها لحضور العرس
و أنشأت عائشة تسكب دموعا حارة على الخبر الذي سمعته
ليس لأن طريقة الإتصال كانت صعبة بل حتى أمها وإخوتها هناك في القرية لم يعلموا بالخبر
إلا قبل يومين من الزفاف فلا يسعهم الوقت أن يخبروا عائشة حتى تحضر
والمدينة التي تقطن فيها بعيدة وحتى لو توفرت لها وسيلة نقل وتم إخبارها من طرف أمها
ولم تأتيها الدعوة من عائلة أختها نورة التي تعمدت كتمان الخبر
فيعز على نفسها وكرامتها أن تحضر للزفاف في بيت ينكر عليها حضورها دون دعوة رسمية
دون سبب يذكر ولا لوم على نورة أنها لم تدعو أختها لحضور عرسها
فمغلوب على أمرها يتيمة الأب والأم فهي خاضعة لسلطة جدتها والبيت الذي تكفل بتربيتها
وبعد سنتين قرر عبد القادر الزواج، ذلك الإبن البكر لصفية البار المحب لإخوته
المدرك معنى الأخوة ورابطة الرحم، أبت عليه نفسه الأبية وعزّته وكرامته إلا أن يدعو إخوته جميعا
قريبهم وبعيدهم صغيرهم وكبيرهم ذكورهم وإناثهم لحفل زواجه
حتى وإن لم يكن في بيت أبيه، إلا أنه فرض رأيه
فلا تهون عليه نفسه أن يقيم حفل زفافه دون وجود إخوته ملتمين حوله
فرحين بعرسه، ويباركون زواجه وتم ذلك بكل خير وفرح
وبعد مرور خمس سنوات تكرر الموقف ذاته الذي تعمدته عائلة صفية وإخوتها
كما أخفوا وكتموا خبر زواج نورة كذلك الأمر مع زينب تكتموا عن خبر زواج زينب
وصارت الخطبة وتحديد موعد عرس بكل سرية
حتى إقترب موعد الزفاف قبل أيام قليلة سمع الإخوة (أبناء نصيرة) بالخبر
!من من ؟
من أهل العريس...! لقد تمت دعوتهم من طرف أهل العريس أحبابهم ومعارفهم
حتى عائشة الأخت الكبيرة الحنونة لزينب الطفلة الصغيرة، سمعت بالخبر وجاءتها الدعوة من أهل العريس
بل والأكثر غرابة أن أخوها محمد الذي يعتبر الأكبر للعائلة وبمثابة أبيها لم يعلم بخبر زواج أخته
نعم هكذا تم الأمر وتزوجت زينب وأقامت حفلة زواجها دون حضور إخوتها من أبيها
بعد الزواج بشهرين وكالعادة كل عطلة صيفية تذهب عائشة لقضاء عطلة الصيف
عند أمها وإخوتها في بيت أبيها بحكم أنها هي الوحيدة التي تسكن في المدينة بعيدا جدا عن إخوتها
كما أن زينب أتت زيارة لأمها (جدتها) وأخوالها وذات يوم جاءت لزيارة إخوتها (أبناء نصيرة)
في بيت أبيها زيارة خفيفة زيارة لحظية كان معها أخوها الصغير أحمد
جاءت لتسلم على أختها عائشة من باب الواجب فوق الخاطر
وبداخلها غل وحقد لا أحد يعلم من زرعه بداخلها ولماذا وما السبب!؟؟
دخلت زينب بيت أبيها وهي في عجلة من أمرها سلّمت على الجميع
وعندما وصلت لعائشة تبادلتا القبلات الباردة لكن عائشة أبت إلا أن تعاتب أختها الصغيرة
تلك الطفلة التي كانت تبكي حرقة وشوقا لملاقاة أختها وهي صغيرة قلبها نقي وبريء
وتلك هي الأخت الكبرى التي رفضت التفرقة بين الأخوة وسافرت بها دون علم جدتها
لأنها أصيلة وتعرف معنى الأخوة وما معنى أن تكون الفتاة يتيمة الأب والأم
وضرورة الحنان والعطف عليها حتى وإن لم يكونا شقيقتين يكفي أنهما يشتركان في نفس الأب ونفس الإسم
عاتبت عائشة أختها زينب على فعلتها في كتمانها لخبر زواجها
وعدم مشاركتها ودعوتها لفرحة عمرها وحضور حفل زفافها
والصدمة أن الرد كان قاسي جدا من طرف زينب قائلة:
من لا يحب أمي لا أحبه.. وتقصد جدتها
وكانت هذه آخر كلمة قالتها وألقتها على مسمع الجميع وغادرت البيت فورا
إستغرب جميع الإخوة و الحضور من هذا القول..
يا إلهي من قال أننا لا نحب أمها تقصد (جدتها)!؟
عائشة: لو كانت خالتي صفية حاضرة بيننا لما حصل كل هذا
لقد كانت تحبني وتعتبرني مثل ابنتها
... نعم لقد زرعوا بقلبها الحقد والكراهية نحو إخوتها بكلام كذب لا حقيقة له
وفرقوا بين الأخوة حتى عادوا كالغرباء بين بعضهم البعض لا يلتقون إلا نادرا في المناسبات
أو ربما كل هذا كان بسبب وشاية ألقاها أحد الحاقدين بين العائلتين بهدف التفرقة بين الإخوة ... الله أعلم
النهاية
تمر السنون تزوج جميع الأخوة والأخوات
أما نصيرة تلك المرأة المناضلة التي ضحت بالغالي والنفيس لأجل أولادها
حتى تكبرهم وتساندهم لإكمال دراستهم وفضلتم على البنات بل وكانت تكرمهم أيّما إكرام
حتى على حساب أخواتهم البنات لكن للأسف قابلوا الإحسان بالإساءة
فاستقل أولادها كلهم محمد مصطفى اسماعيل علي، كل واحد في بيته
ورفضوا وجودها معهم في بيوتهم لأن نسوتهن يتضايقن من وجودها وعيشها معهن
كل واحد يرمي حمل أمه على الآخر..
ذات مرة سمعت نصيرة من إحدى زوجات أبنائها تقول لإبنها:
خذ أمك إلى دار المسنين وخلصنا منها
لكن الإبن لم ينطق بكلمة ولم يدافع عن أمه بل سكت وانصرف
غادرت نصيرة بيت أبنها الأول بعد سماعها هذا الكلام وكيف كانت ردة فعل إبنها
وذهبت إلى بيت ابنها الثاني وكانت زوجة ابنها تعاملها معاملة قاسية
وعندما تخبر نصيرة إبنها بما تفعله معها زوجته يقول لها:
أنت تكذبين بكل وقاحة تريدين أن تفرقي بيني وبين زوجتي
غادرت نصيرة بيت إبنها الثاني وذهبت إلى بيت إبنها الثالث
ولم تلقَ الترحيب من إبنها ولا زوجته وقامت زوجته بعزلها في غرفة لوحدها
تأكل وتجلس وحدها كل هذا على مرآة من إبنها لأنه لا يستطيع مخالفة رأي زوجته،
ضاق بها العيش في هذا البيت ثم غادرت عند بيت ابنها الرابع
لكن زوجته حاولت وفكّرت في طريقة تطرد بها هذه العجوزة المسكينة نصيرة
ولم تجد حلا إلّا أن إتهمتها بوضع السحر تحت سرير نومها لها ولزوجها تلفيقا وكذبا
ثم أخبرت زوجها بما فعلته أمه وأعطته السحر الكاذب ...
الزوجة: أنظر ماذا وجدت تحت السرير في غرفة النوم
إنها أمك تريد أن تفرق بيننا لكن الزوج لم يتبين الحقيقة
ولم يكلف نفسه أن يسأل أمه أو حتى يكذّب زوجته؛
مباشرة ذهب وعاتب أمه عتابا شديدا ولم يعطيها مجالا لفهم ماذا جرى أو حتى أن تدافع عن نفسها
لقاء نصيرة مع ابنها العيد
وفي صباح الغد قررت أن تسافر إلى المدينة عند إبنها العيد ذاك الولد الذي لم يكبر بين أحضانها
ذلك الإبن الذي فارق أمه وكابد عناء الحرمان من حنان الأم
عندما تركته نصيرة طفلا صغيرا عند جدته وأخواله يتكفلون بتربيته
ثم عادت إليه وهي إمرأة عجوز بعد أن أنكرها أبنائها جميعا بعد أن أفنت عمرها لراحتهم
ذهبت إلى إبنها العيد وأملها الوحيد لربما تجد منه الترحيب
نصيرة تحدث نفسها: ...
"ابني حبيبي لا لوم وعتاب عليك إن أنكرتني مثل ما أنكرتك عندما كنت طفلا صغيرا..
أنكرت وجودك وتربيتي لك وأخلفت بوعدي لك عندما كنت بكري ووحيدي
وقبل أن أتزوج من زوجي الثاني
أعلم أني تعهدت لك أن أبقى معك وأربيك وأحسن تربيتك وأدافع عنك
عندما ينعتك الآخرون بابن الخائن... سامحني يا بني
وصلت نصيرة وكلها أما أن يسامحها إبنها على فراقها له وأن لا يقابلها بجفاء مثلما فعل بقية إخوته
نعم لقد لاقت منه ترحيبا حارا، ترحيب الطفل الذي فقد أمه وعاد إلى صدرها الحنون
رحب بها وطوى كل سنين الفراق وتذكر الموقف الذي دافعت عنه عندما ضربه زوجها ونعته بابن الخائن
عانقها عناق المحبوب بلقيا حبيبه عناقا حارا والدموع منهمرة على خديه كالشلال
ونصيرة تبكي وتُقبّل وجهه ورأسه ويديه وتطلب منه السماح
ثم تعود لمعانقته وتقبيله مرة ثانية
هي الآن لا تعانق الرجل الشاب، هي تتصور ذلك الطفل الصغير الذي عثرت عليه بعد سنوات الفراق
قصت عليه قصتها وماذا جرى لها مع إخوته فبكى لحالها
و عاشت نصيرة مع إبنها العيد سنة كامله يحسن إليها أيّما إحسان
وبعدها في السنة الموالية أخذها لأداء مناسك الحج وتوفيت هناك
وكان العيد الإبن الفاقد لأمه البار بها وعبد الله الإبن الأصغر الحنون على أمه
حُرِم رؤيتها وحرمت رؤيته قد وصله خبر وفاة أمه في آخر يوم له في الخدمة الوطنية
كان فرحا مسرورا متحمسا وكله فرح وسرور لملاقاة أمه
لقد اشتاق إليها كثيرا بعد فراق سنتين ونصف
كان هذا الخبر كالصاعقة على قلبه دخل على إثرها في حالة كآبة وصدمة نفسية عنيفة
لقد كان خبر وفاة أمه صدمة ظل من بعدها سنوات إلى أن تأقلم مع الوضع وتقبل الوضع
أما بقية الإخوة الأولاد تصارعوا على بيع البيت وتقسيم الفتات من الإرث
وأكلوا حق إخوتهم البنات
لكنهم لاقوا جزاءهم وعاشوا حياة فقر وعُسر
وقابلوهم أبنائهم بعقوق وإساءة فالجزاء دائما من جنس العمل.