';function Lazy(){if(LazyAdsense){LazyAdsense = false;var Adsensecode = document.createElement('script');Adsensecode.src = AdsenseUrl;Adsensecode.async = true;Adsensecode.crossOrigin = 'anonymous';document.head.appendChild(Adsensecode)}}

رواية مارغريت الجزء الثاني

رواية مارغريت الجزء الثاني

قبل قراءة هذا الجزء إقرأ الجزء الأول من 👈هنا

*..."تعال لي أرمان راضيا كنت أو غاضبا فإنني مريضة مشرفة وأحب أن أراك قبل موتي
لأُفضي لك بسر الذنب الذي أذنبته إليك فيما مضى والذي لا تزال واجدا عليّ بسببه حتى اليوم
فلعلك تعفو عني في ساعتي الأخيرة فيكون عفوك ورضاك هو كل ما أتزوده في هذه الحياة لقبري
واذكر يا أرمان أن أول عاطفة جمعت بيني وبينك وألّفت بين قلبي وقلبك كانت عاطفة الرحمة والشفقة
فها هي ذي الفتاة المريضة المسكينة التي رحمتها بالأمس وعطفت عليها قبل أن تحبها
تدعوك اليوم أن ترحمها وتعطف عليها وإن تكن قد سلوتها
أما كتابك الذي كتبته إليّ قبل سفرك فقد اغتفرت لك كل ما فيه
حتى قولك أني كنت كاذبة في حبك طامعة في مالك
لأني أعلم أن المرأة التي تكذب الناس في حبها طوال حياتها
"لا يمكن أن تجد من يصدّقها إذ صدقت فيه وعدل من الله كل ما صنع

ثم لبثت طويلا تنتظر قدومه لكن دون جدوى
لا شك أنه قد فسر هذا إلى خيانة ولا يمكن أن يغفر لي هذا،
ولكنها كانت مخطئة فيما اعتقدته
لأن الكتاب الذي أرسلته إلى أرمان لم يصل إليه بل وصل إلى أبيه
وأرمان قد سافر إلى إسكندرية ليفرّغ طاقة الكآبة والضجر الذي ألّمت به
وكان هذا حاله ينتقل من بلد الى بلد أما الأب دوفان فقد قرأ كتاب مارغريت الذي أرسلته إلى أرمان
وحزّ في نفسه ألم شديد وحزن لخيبة أمل مارغريت التي تنتظرها من انتظار ردّ أرمان
لأن دوفان منذ فترة طويلة تتعدى الأشهر لم تصله رسائل من أرمان
حتى يتمكن من إرسال كتاب مارغريت له

فكلما شعرت مارغريت بالضيق الشديد تذهب إلى بوجيفال لتحيي ذكراها مع أرمان
هناك في ذلك البيت دخلت مارغريت بيتها في بوجيفال
فوجدته على نفس الحالة التي تركتها أثناء عيشها مع أرمان
فأخذت تلثم آثاره الباقية هناك، القلم والكتاب والكأس الذي يشرب منه وتشم الزهرة،
زهرته المفضلة التي كان يحبها أرمان وبدأت تسرح بخيالها
وتستحضر صورة أرمان ماثل أمامها وتبحر في عالم أيام الخوالي
.وذكر العشق الذي جمعهما في هذا البيت
ثم تستفيق من حلمها لترى وحشة المكان وتخنقها العبرة وتبكي ما شاء الله لها أن تبكي
ثم تعود إلى بيتها في باريس لتناجي أرمان من خلال مذكراتها التي كتبتها له

  الخامس عشر من ديسمبر 1850

!أرمان لم تأتيني يا أرمان ولم تكتب إلي هل تعتقد أني أرسل لك حتى نعيد العهد الماضي
فأين أنا من ذلك العهد لقد ذبلت زهرتي وتسرّب الوهن إلى جسمي
فلم أعد أتمنى إلّا أن أراك وأخبرك بالسر الذي لم تعرف حقيقته
وأخاف أن أموت دون أن تغفر لي وتسامح كل من كان سببا في فراقنا
أنا لست خائنة يا أرمان ولا خادعة ولا غدّارة ماكرة،
بل أخلص لك حبي إلى الآن لكن الأقدار حالت بيننا وبين البقاء معا
والرسالة التي رأيتها بيدي ذاك اليوم في بوجيفال لم تكن رسالة مواعدة من أحد العشاق كما أظن أنك تعتقد
لقد كانت رسالة من أبيك مكونه من هذه الكلمات التي أذكرها إلى الآن من السيد دوفان

:إلى سيدتي المحترمة مارغريت

أريد أن أقابلك غدا صباحا في منزلك دون أن يكون أرمان حاضر معنا
وأرجو أن ألقى منك القبول لأن الموضوع خاص بيني وبينك
وأنا عند ظني الحسن بك فاكتمي كتابي هذا عن أرمان والسلام..

بعدما قرأت كتاب السيد دوفان عرفت ما يريد قوله قبل مقابلته
لذلك أصررت عليك ذلك اليوم أن تذهب لأبيك وأنا أعرف أنك لا تلقاه فهو قادم لملاقاتي
لأني لم أحب أن أرفض له طلبه ورجاءه في مقابلتي.
دخل علي والدك وهو يتطاير غضبا وشرارة ويقضب الحاجبين
وكأني قاتلة ابنه بل هو يراني خاطفة إبنه الوحيد وهذا أعظم عنده من القتل

تقدم إلي بخطوات متثاقلة ونظر إلي نظرة تمتزج فيها جميع العواطف..
ترجي وغضب، استعطاف وترحم  رغبة في البكاء كل هذا في نظرة واحدة
ثم أنشا يقول: دعي ابني وشأنه فهناك من الرجال والأبناء من زهدوا فيهم أهاليهم
لكن أنا لا أريدك أن تخطفي إبني مني لقد سلبتِ كل أمواله
وأنا قد نفذ مني كل الأموال التي أنفقتها عليه منذ قدومه إلى هذا المكان المشؤوم
ولم يتوقف عند هذا وحسب، بل استرسل في قول كلمات جارحة ونعتني بأبشع الصفات
فسَرَت كلماته بداخلي سريان الحمى وكأنه يجرعني قطرات سُمٍّ قاتلة شعرت فيها بالذل والإهانة

 تملّكني الغضب أن أرد عليه وأوقفه عند حدّه لكني تذكرت مكانته عندك فتماسكت فأمسكت نفسي ثم قلت له:
نعم أني أحب أرمان حبًّا شديدا لم أحببه أحدا من قبله،
وأنا كما تراني لقد كنت فيما مضى إمرأة ساقطة لأن الظروف أجبرتني على سلك هذا الطريق
وهذا كان ضعف مني وخطأ لن أغتفره لنفسي

سيد دوفان أرجو أن تتفهمني وتتفهم مشاعري فأنا أحب إبنك أرمان لذاته وليس طمعا في ماله
لو كنت أطمع في ماله لتركته مذ أن خلا من يده المال ولم ألح عليه أن أبيع مجوهراتي
وننفق على نفسينا من مالي الخاص رغم هذا والمدينون ليلاحقوني في أموالهم كل وقت
ومع هذا ضحيت بما أملك حتى لا أُشْعر إبنك بالخجل وبيّنت له أني في سعة من الرزق وهذا عكس الواقع
أنت تظلمني جدا يا سيد دوفان بسوء ظنك
كما أني لا أنكر حب أرمان وإخلاصه لي فقد أحبني لنفسي وأشفق على مرضي
وضحّى بالكثير من أجل البقاء معي وأنت تعلم هذا

..شعر أبوك بنوع من الخجل لكن ما زال بداخل نفسه أمل أن يستعطفني حتى نفترق أنا وأنت،
لكن السبب الذي قاله لي أقنعني بذلك ولم يكن لي خيار سواه
لكن رغم هذا جثوت بركبتي بين يديه أسأله العفو عني في هذا الطلب وبقيت أترجاه ألّا يفرق بيننا
لكن غلبني بطلبه وقال لي:
مثل ما أنت تعانين الآن ألم الفراق فلقد تركت إبنتي طريحة الفراش وكل هذا بسببك
!!ردَدت عليه مستغربة: بسببي
قال لي: نعم بسببك يا مارغريت.

...خطيب إبنتي تركها عندما علم بمعاشرة أرمان لإمرأة خالطت كل أصناف الرجال
فخطيبها يأبى أن يتزوج إلّا من أسرة شريفة نبيلة لا يخالط أبنائها النساء المومسات العاهرات مثلك
يا بنيتي أنا لا أتعمد التفرقة بينك وبين أرمان
بل إني أعرف أن إبني لا يتحمل عيش الفقر والحاجة والحرمان طويلا
كما أني عرفت منه أنه خسر أموالا كبيرة في المقامرة، فمن يضمن لك أنه سيستمر معك حياته كلها!؟
 لربما يمَلَكِ ويستبدل بك إمرأة أخرى جميلة ثرية

فقلت له: أنت تحاول أن تشوه صورة أرمان في نظري لكن أرمان ليس كذلك
إنه شاب مخلص أحبني من أعماق قلبه وقد لامست هذا قبل بداية علاقتنا بل من النظرة الأولى
قال لي إني أراك من أعظم النساء وأوفاهن ما كنت أظنك كذلك
أنت فتاة كريمة وفيّة فاغفري لي سوء ظني بك
كما لا أنسى كتمانك خبر مجيء إليك ها هنا رغم قسوتي بك

ولم أرَ منك إلّا فضائل الأخلاق وحسن المعاملة لكن أرجو أن ترحمي تلك الفتاة...
 ابنتي سوزان تتألم فراق خطيبها فهل تضحي من أجلها مثل ما ضحيتِ من أجل أخيها
إني أحبها يا مارغريت حبًّا جما وهي ذكرى أمها لي
فلا أريد ان أُفجع بها وأنا أرى زهرتي تدبل بين يدي ولا أفعل لها شيئا
إن أرمان لا يعرف بخبر ترك خطيبها لها وفسخ الخطبة بأخته بسبب علاقته بك

لقد طلب مني يا أرمان أن أبادلك الحب الذي أحببتنيه لذاتي بتضحيتي لأجل أبيك وأختك
آآآه لو تعرف يا أرمان دموع الأمل البادية على عيني أبيك وهو يترجى أن أحيي فيه أمل إبنته
لقد كان يخشى أن يعود إلى إبنته بخبر رفض طلبي له بتركك فتفارق أختك الحياة السعيدة التي طالما حلمت بها
لقد وُضعْتُ في خيارين أحلاهما مر؛
ألتفت من جهة فأرى أباك الشيخ الآمل برجاء عودة وسعادة أختك معه
وهو يراكما مجتمعين حوله سعيد بكما
وألتفت من جهة أخرى أرَى حبك لي وحبي لك فتنكسر شوكتي وما بقي لي من أمل 

لقد إستحييت يا أرمان من وقوف أبيك بين يدي وهو الرجل الشيخ الشريف الطاهر
وهو يترجى فتاة ساقطة مثلي، خجلت من نفسي أن أكون سببا في تعاسة هذه الأسرة الصغيرة
التي يحتويها الحب والعطف الأبوي بعد غياب الأم
خشيت يا أرمان غضب أبيك عنك بسببي،
خجلت من كل شيء لم يعد أمامي خيار سوى الهروب وأترك عائلتك وشأنها
وهذا أهون عليّ من أن أتنعم بحياتي معك وأترك من خلفي فتاة تتألم وأبٌ يئن
فلا يحق لي يا أرمان أن أنازع الشرفاء حياتهم وسعادتهم وهناءهم

مسيرتي الماضية والآثام والذنوب التي ارتكبتها واقترفتها بيدي لابد لي أن أدفع ثمنها وحدي
وألم فراق من أحب قلبي ضريبه أدفع ثمنها الآن ولم أجد حل حتى أقتل الحب الذي بيننا
حتى لا يكون هناك أمل إلّا أني تتعمد أن أقول للحارس حتى يخبرك بما أخبرك
بشأن ملاقاتي مع المركيز جان فيليب حتى تغضب مني وتصرخ صرخة واحدة حيث لا رجعة

لقد حرمت لذة الحياة الزوجية السعيدة فلا يحق لي أن أحرمها أختك
سامحني على ما فعلت لقد ضحيتُ من أجل أختك وهذا بحد ذاته معروف
وجب عليك أن ترد جميله لي بغفرانك لي هذا الفراق
فأنا من يعرف ألم الحب ولوعته في القلوب بعد الفراق

 آمل أن تكون أختك قد تزوجت الفتى الذي أحبته وستدعو لنا كلانا لأننا كنا سببا في سعادتها
فيكفينا فخرًا بأننا زرعنا إبتسامة وسعادة في قلب عشيقين محبين
ثم ختمت لقاءي بأبيك وأنا أبشره باستجابتي لطلبه
وقلت له: عد إلى إبنتك وبشّرها بسعادة مستقبلها مع خطيبها
وتأكد يا سيد دوفان من الآن لن أرَ إبنك أرمان وسأكتم هذا السر بيننا إلى أجل آخر
فليسامحنا أرمان على فعلتنا هذه ففيه مصلحة العائلة بأكملها

فرح أباك فرحا شديدا وشكرلي معروف الذي أسديته إيّاه
ثم غادر المكان وهو يعدني أن يرد لي هذا المعروف ما استطاع إلى ذلك سبيلا
ثم قلت له سأكتب لأرمان كتابي الأخير بقطع العلاقة
ولا تفسير سيفسره هذا الكتاب سوى خيانتي له
ولا شك سيتألم أسبوع أو أسبوعين ثم يبلى حبي بقلبه ويعود كل شيء كما كان

أما أنا فحسبي نفسي أتحمل آلامها وأوجاعها ثم طلبت منه طلبي الأخير وقلت له:
يا سيد دوفان أنت تعلم أني مريضة ويقال أن هذا المرض لا يغادر دون أن يصحب صاحبه معه
فطلبي هو أن تأذن لأرمان بزيارتي في أيامي الأخيرة عندما تعلم بذلك
حتى أطلب منه السماح وأكسب احترامه لي حيّة وميتة
فنظر إلي نظرة حزينة ثم قبّل رأسي وأراد أن يعطيني معونة من المال فرفضت ذلك بشدّة وقلت له:
لم أبع نفسي لأرمان ولا لطلبك من أجل ابنتك بل وهبتها وهبًا
فكل ما أريده منك ومن إبنتك سوزان هو الدعاء لي بصلاح حالي... ثم غادر

وبعد مغادرته مباشرة قمت إلى الخزانة وجمعت كل أغراضي ورحلت عن المكان مع برودنس
وكتبت لك ذاك الكتاب الذي تركته عند الحارس والله يعلم كم دموعا ساخنة سكبت ألما وحرقا
هذه قصتي يا أرمان فهل تراني خائنة أو خادعة أرجو أن ألقاك قبل أن أموت
وإن حال الموت بيننا دون لقاء، فهذه المذكرات التي أكتبها لك في آخر أيامي ستجدها عند برودنس

الثاث من يناير 1851

أين أنت يا أرمان ما هذا البعد الذي بيننا لا أحمل في قلب تجاهك سوى الحب والإخلاص
ولا أرَ في تحسن حالتي سوى لقياك، لقد أمرني الطبيب بالأمس بالمكوث على الفراش ومنعني الخروج
.أعتقد أنها أيامي القليلة الباقية لكن لا أعلم فالمستقبل بيد الله فليقدر الله ما يشاء ويفعل

الرابع و العشرون من يناير

تحسنت حالتي الجسدية قليلا لكن شعوري النفسي يكاد يخنقني
لم أعد أحتمل البقاء وأنا محبوسة في هذه الغرفة
أنظر من النافذة فأرى الناس الذين قابلتهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي
.سعيدون مسرورون كما كانت حياتي معك في بوجيفال لكن أين أنا الآن من تلك الأيام

  الثلاثون من يناير

 مع أول ساعات الصباح الباكر سمعت ضجيجا في الساحة فسألت برودنس عن الأمر فقالت لي وهي تبكي:
الدائنين يحجزون أثاث البيت فقلت لها دعيهم يفعلون ما يشاءون
ثم دخلوا غرفتي ولم يحترم أحدا منهم صاحبة المنزل أو يشفق على المريضة المتألمة
وأخذوا يسجلوا الأثاث المتواجد في الغرفة فخشيت أن يسجلوا دفتر مذكراتي
فأشرت لبرودنس أن تخفيه ففعلَت ففرحتُ لذلك ولم يهمنِ شأن الأثاث

ثم أرسلت إلى الشيخ الدوق موهان أستسمحه وأوضح له حقيقة الأمر حتى يأتي لمساعدتي
فلبّى نداءه لي وما إن رآني حتى بكى ولم أعرف هل بكى لحالي أم أنه تذكر إبنته
وقضى معي ساعتين من وقته لم يذكر فيها الماضي
وعند مغادرته أعطى لبرودنس ضمّة من المال
أعتقد أني لا أستطيع أن أكتب بعد هذه المذكرة
فالطبيب يلِح علي بالراحة لأني كلما تحركت أشعر بالألم

الثاني من فبراير 1851

اليوم وصلني كتاب من أبيك أفرحني كثيرا 
من السيد دوفان إلى السيدة مارغريت:

 سمعت أن المرض قد إشتدّ بك أسال الله لك الشفاء العاجل
وأرجو أن أسمع خبر تحسن حالك في أقرب وقت
فإني أبشرك بزواج إبنتي سوزان قبل أيام وأخبرتها أن تدعو لك في صلواتها
أمّا أرمان لم يصله كتابك لأنه غادر نيس وهو متألم متوجع بسببك
ولا أعرف المكان الذي هو فيه حتى أرسل له بشأنك

وقبل أيام قليلة عرفت مكانه فأرسلت له سريعا أخبره فيها بقصتك
وأنه لا مانع عندي بعد أن تزوجت أخته وسافرت،
أن يسافر إليك ويبقى ما شاء الله أن يبقى وأحسب أنه يصل إليك في عهد قريب
أرسلت لكِ مع الرسالة مبلغ 10 آلاف فرنك أرجو أن تقبليها مني وهذا أقل من مقامك وإحسانك
قرأت رسالة أبيك ودبّ بداخل الفرح والسرور وأنعش قلبي بذلك الخبر السعيد
وإني أتمنى لأختك السعادة الأبدية وأنا الآن أنتظر لُقْياك بفارغ الصبر

 الثالث من فبراير 1851

إستطعت أن أنام تلك الليلة نومة هنيئة مسرورة لم أنم مثلها منذ أشهر
وفي صباح الغد أخبرني الطبيب أنه باستطاعتي الخروج إلى منتزهات غابة شانزليزيه
فرأيت الحياة مذهلة ملونة جميلة كما رأيت بعض المعارف السابقين ينظرون إليّ ولا يعرفوني
فتأكدت حينها أن مرآتي لم تكذبني عندما أخبرتني باصفراري ونُحولي،
ثم عدت إلى المنزل إلى غرفتي إلى وحدتي أنتظر مجيئك إليّ

السابع من فبراير 1851

لا أحسب أني أراك يا أرمان فالمرض اشتّد وألزمني الفراش
حتى أنني لم أستطع القيام من سريري فأنا أكتب لك من مكاني
متى أراك يا حبيب قلبي فأحيا برؤيتك أو أودعك الوداع الأخير قبل أن أموت

 العاشر من فبراير 1850

إني أرى حلمي الوحيد الذي أتمناه إلى آخر نفس مني
إني أراه يتبخر في السماء ولا أستطيع أن أمسك به
الموت يدنو مني يا أرمان رويدا رويدا..
ولو استطعت أن أؤخره ساعة قليلة حتى أراك ثم أأذن له بالمجيء لفعلت
؟أين أنت يا أرمان
الموت مخيف وظلمة القبر موحشة وما يزيدني حسرة أن أموت دون أن أودعك
وأرى في عينيك باقية من الحب الذي كان بيننا وأسمع منك أنك سامحتني.. 

 سعيدون أولئك الذين يموتون ولا يموتون بعد خروج الروح من أجسادهم
لأنهم تركوا خلفهم ذرية طيبة وعمل صالح يذكرهم الناس به بالخير
أما أنا مات ذكري قبل موتي لا أحد سيذكرني حتى أنت وأبوك وخادمتي الوفية برودنس ستنسوا ذكري.
بعد مدة سأموت في ربيع عمري كأنني لم أعش إلّا لحظات معدودة
وما يزيدني ندما وحسرة ما اقترفته من ذنوب في أيامي الخالية
أرجو رحمة الله ومغفرته فهو وحده العالم بحالي وغافر ذنبي
.رحمتك إلهي ربي اغفر لي فأنا أدفع ثمن آثامي وذنوبي أضعاف مضاعفة
ربي اغفر لي حيّة وارحمني ميتة فأنا أتقطع من شدّة الألم
أرغب في جرعة سم قاتل تقضي على حياتي مرة واحدة حتى أرتاح من هذا العذاب
ربّي رضّيني بما قضيت لي واعفو عني فعفوك ورحمتك أوسع وأكبر ممّا نظن

أرمان أعتقد أن هذه آخر مذكرة أكتبها لقد سمعت الطبيب اليوم يهمس في أذن برودنس
وغادر بطريقة غريبة ليس كعادته لم يوصنِ بشيء
عندما سألت برودنس عمّا دار بينهما من حديث تجاهلت سؤالي وغيرت الموضوع تماما
فإني أجزم أنه قال لها الكلمة القاتلة التي أخاف سماعها
وإن كان كذلك يا أرمان فالوداع أذكرني بخير وادعوا لي بالرحمة والمغفرة

 الرابع عشر من فبراير 1851

لا تحزن علي يا أرمان فعزائك لي أن تذكرني بالخير
وإني أبشرك أني أصبحت اليوم أشعر براحة وطمأنينة غير التي كنت عليها طيلة أيام الشقاء
لقد زال عني الخوف من الموت وما بعده فأحسست أن الله قد رضي عني وغفر لي
فرجائي لك أن لا تحزن علي كثيرا وإن كنت أنا حزينة عليك والدمع ينهمر مني كالشلال
وأنا أكتب هذه العبارات أوصيك بنفسك وأرجو لك السعادة الأبدية مع الفتاة التي تختارها زوجا وأمًا لأبنائك ...

إسمع مني يا أرمان فالحياة ممتعة وحلوة فاستمتع بكل تفاصيلها
ولا تجعل فراقي ذكرى حزينة تعكر صفو سعادتك وراحة بالك
كلنا مفارقوا الحياة، الفرق إني سبقتك مبكرا أسال الله لك طول العمر بالعمل الصالح والأثر الطيب
فلا داعي أن أوصيك بأبيك فهو خير الأب وأحنهم وأعطفهم إكسب رضاه،
كما أوصيك بأختك الطاهرة العفيفة أبلغها سلامي وأوصيها ألّا تنساني من دعائها
كما لا أنسى أن أوصيك بخادمتي برودنس أرجو أن تؤمن لها مستقبلها
لربما ستضيع بعد فقداني فهي تحبني كثيرا وإن اتخذتها خادمة عندكم فستكون أوفى الخادمات لكم

في لحظاتي الأخيرة أعترف أن السعادة الحقيقية هي في حب الله
فالله لا يرضى عن العبد إن ابتعد عن حب الله ورضاه وانشغل بحب غيره من عباده
فلا تأسى على حالنا إن لم نهنأ بالسعادة مع بعضنا البعض في الدنيا
فسننتظره في علياء السماء
الوداع يا أرمان محبتك الوفيه المخلصة مارغريت

بقية المذكرات بقلم الخادمه برودنس

لم تستطع مارغريت يا سيد أرمان أن تكتب لك اليوم لأن الطبيب منعها الحركة ولو أرادت لعجزت عن ذلك
لقد غاب يا سيدي ذلك الوجه المشرق النظِر والجسم الممشوق والقوام الغض والبشرة الناعمة الناظرة الذي تعرفه
لم تعد مارغريت نفسها التي تعرفها فقد أصبحت هيكلا مجلّدا وعينين ذابلتين
ماتت جميع أعضائها إلّا قلبها وشعورها وليته مات مع أعضائها وارتاحت
توقفت عن الكلام تماما إلّا من السؤال عنك وذكر اسمك فعندما أفتح الباب لا تنتبه لي،
بل تترقب دخولك لتسألني هل أتى أرمان فأجيبها: لا يا سيدتي
فتطبق جفنيها بدمعتين كبيرتين ساخنتين تنحدران على خديها وتعود إلى صمتها

 السادس عشر من فبراير 1851

لقد اختفى صوتها وإني أحسبها في لحظاتها الأخيرة تلفظ أنفاسها واااارحمتاااااااه
آآآه لو أستطيع يا سيدي أن أبيع من حياتي لأشتري لها بضعة أنفاس لِتراك وأسعد برؤيتكما معا ولو للحظات
لم ترَ مارغريت النوم منذ ثلاثة أيام ولربما قد تكون هذه ليلتها الأخيره لتنام نومتها الأبدية

1851السابع عشر من فبراير

استيقظتُ صباح اليوم بعد الغفوة الخفيفة التي غلبتني والتفت إلى سيدتي فلم أرَ لها لا حركة ولا سكون
فذُعرت وخفق قلبي بدقات متسارعة حسبتها فارقت الحياة وعندما اقتربت منها فتحت عيناها بصعوبة
وأشارت لي أن أحضر لها الكاهن...
" أريدك أن تحضري لي الكاهن"
 فعلمت أنها قد شعرت بدنو أجلها وخرجتُ مباشرة من الغرفة بعد أن خنقتني العبرة
وأطلقت عنان دموعي منهمرة دون توقف ثم تشجعت وذهبت إلى الكاهن
وعندما التقيت به أخبرته عن الأمر لكنه تردد في البداية عندما سمع إسم مارغريت
فتضرعت إليه وقلت له: 

إن رحمه الله أوسع من أن نحكم على مصير الشخص في آخر لحظاته
إن مارغريت أحوج إلى رحمة الله في لحظاتها الأخيرة
أفلا نشفق عليها نحن!!
 ثم وافق بالمجيء معي وبعدها جلس معها على إنفراد بضع دقائق ثم خرج فسألته:
هل سيرحمها الله!؟
 فقال: الله أعلم لكنها عاشت عيشة الآثمين ولكنها ستموت موته المؤمنين بإذن الله
فشكرت لها الله على هذا

في الغروب لم تنطق مارغريت بكلمة وبدأت تنفسات صدرها تترجح بين الصعود والهبوط
وهي تتعذب وتتألم لهذا تألما شديدا وهذه هي سكرات الموت.
بدأت تنزل دمعات ساخنة ثم أشارت إليّ حتى تحضنني فاحتضنا بعضنا البعض حضنا قويا شديدا
وقبّلتها قبلات مودعة مؤلمة والدموع تنسكب مني كالشلال المتدفق
.ثم أشارت إليّ بأصبعها نحو دفتر المذكرات كان بجانب رأسها فعرفت أنها توصيني أن أبلغه لك
ولحظات قليلة حتى فاضت الروح إلى خالقها ل

قد هتفت باسمك كثيرا لكن القضاء حال دون تحقيق أمنيتها
عزائك يا سيدتي لم تجدي بقربك أحد سواه يغمض عينيك ويلقي ردائك عليك!
سلام إلى روحك الطاهرة النقية التي ما عرفت يوما شرًا أو حقدا على أحد
سلام على قلبك الأبيض، سلام على صدرك الرحب،
 عزائي لنفسي فقد اسودّت الدنيا في وجهي
عزائي لك سيد أرمان...

 بكت برودنس ما شاء الله لها أن تبكي أمام جثّة سيدتها صاحبة القلب الطيب الصادق الحنون
وبعثت إلى الكاهن فقدِم ليقرأ عليها من الكتاب
ثم توجهت إلى المكتب لتكتب آخر مذكرات مارغريت
ثم رأت الباب يُفتح لترى أرمان واقف أمام باب الغرفة بلباس السفر
ألقى نظرة على السرير ثم قال لبرودنس: من الراقد هناك!؟

 فانحدرت الدموع من عيني برودنس فعرف أنها مارغريت
وألقي بحقيبته وركض إتجاه مارغريت يريد أن يلقي بنفسه على جثتها
يريد أن يضمها إلى صدره فاستوقفه الكاهن وقال له:
أرجوك سيدي إحترم الميت ثم سقط مغشي عليه ولم يستفق حتى مطلع الفجر
فتضرع إلينا قائلا:
لقد فاتني أن أودعها وهي حيّة فلا تحرموني وداعها وهي ميتة فتقتلوني ألف مرة
ثم سمحوا له بذلك، فأخذها وضمها إلى صدره وصرخ بأعلى صوته باسمها مارغرييييييت 

ثم حملوا نعشها إلى المقبرة فلم يحضر جنازتها سوى برودنس وأرمان والكاهن و الدوق موهان
وانقضى كل شيء وأصبحت مارغريت رهينة قبرها
وأرمان طريح في فراشها يقرأ مذكراتها ويبكي بكاء الثاكل المفجوع
ومرت عليه أياما مؤلمة موجعة لا يحتملها أحد
شهر وحالته تزداد سوءا...
فأرسلت برودنس إلى أبيه تشرح له وضع ابنه والمرض الذي ينهش جسمه
....لقد فقدنا مارغريت فلا نريد أن نفجع بابنك أيضا

حضر الأب السيد دوفان وابنته سوزان لإبنهم أرمان وجلسوا عنده يخففون آلامه
وقضوا بجنبه أياما يؤنسونه ويحاولون إقناعه بتقبل الأمر
بعد أيام تحسنت حالته قليلا ثم ذهبوا جميعا إلى قبر مارغريت ليودوعها الوداع الأخير
وعاد الجميع إلى نيس وما كان من السيد دوفان إلّا أن يطلب المغفرة من إبنه:
يا بني هلّا غفرت ذنبي فلم يكن بيدي حل غير ما فعلته
 أرمان: نعم يا أبتي لقد غفرت لك فعلك مع مارغريت
وهي قد أوصتني بك خير

دوفان: إنها فعلا إمراة عظيمة في عيني حيّة وميتة
ثم مرت الأيام والسنوات ومات السيد دوفان وسعد أرمان بحياته كما أوصته مارغريت
وكما أراد له أبوه،
لكن لم ينسَ ذكرى مارغريت و بقيت لوعة بداخله مختلجة لا تذهب عنه كلما ساورته نفسه
إلى قراءة مذكرات مارغريت أو الجلوس مع برودنس يسترجعا فيها ذكرياتهم مع مارغريت
وظل يزور قبرها من حين إلى آخر

العبرة والحكمة المستخلصة

الوفاء والإخلاص في الحب من أرقى الصفات والأخلاق الإنسانية*
الحياة لا تستحق منّا أن نبيع من أجلها العرض والشرف*
مهما بلغت ذنوب المرأة فرحمة الله أوسع وأعظم*
الحب الطاهر العفيف جميل وراقي لكن التعلق مؤلم*

هذه الرواية من أروع وأجمل ما كتب المنفلوطي من حيث البلاغة وطريقة سرد الأحداث وتسلسلها


لمزيد من الروايات والحكاية المشوقة إطلع على 👈قسم حكاية وقسم رواية👈


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-